ضاري المطيري
في رحلتي الثانية إلى لندن بلد الضباب في صيف 2003 حرصت على أن أقيم مع عائلة إنجليزية حتى أحسن من لغتي الإنجليزية، ولأنني «مطوع» بالبدوي و«ملة» بالحضري، سواء في الكويت أو في لندن، كنت لا أحبذ الكلام مع النساء إلا في إطار العمل والحاجة فقط، فكان من حسن حظي أن أقمت في منزلين يخلوان من النساء خلال إقامتي هناك، فأما رب المنزل الأول فكان يعطيني نموذجا للعلاقات الاجتماعية الغربية الجوفاء الخالية من كل معاني الاحترام والعطف والوفاء، فهو كهل كبير في السن يعاني من الفراغ القاتل، فحالته تدعو إلى الحزن حقا، فهو مطلق ولديه ابن لا يسأل عنه، لكنه مع ذلك أخبرني في أول لقاء معه أن لديه ابنتين اثنتين تتواصلان معه عبر الهاتف مرة في نهاية الأسبوع.. أعوذ بالله، هذه حياة؟ أما الآخر فكان أيضا شيخا كبيرا لكنه يعاني من مرحلة المراهقة حتى آخر لحظة تركته فيها، فهو غير متزوج، وما أدري صراحة لماذا لم يفعلها؟ ربما يرى أن العمر قدامه طويل.. لكن المشكلة أن عنده أربع «girlfriends»، ومع هذا يحرمون علينا الزواج بالأربع، نعم هذا هو نتاج انتكاس الفطرة.
طبعا قد تسألني عن الثاني فتقول وماذا عن «الخلفة» يعني الذرية، ألا يريد أولادا يحنو عليهم ويحنون عليه في كبره، فسيكون الرد وما المانع؟ ومن قال لك ما عنده ذرية، الأخ عنده بنت أطول منه، لكن كيف جاءت؟ لا تسألني.
ما ذكرته غيض من فيض من صور ولمحات التفكك الأسري المتفشي في الغرب، مع ذلك فبعض الصحف والقنوات العربية تغض الطرف عن ذلك كله و«شادة حيلها بالحيل» سعيا للحد من تزويج البنات تحت سن العشرين في عالمنا الإسلامي والعربي، فهم يعملون جاهدين على محاربة هذا الظلم بزعمهم، فيأتون بصور لا تمت إلى الواقع بشيء، أو هي مبالغ فيها أو نادرة الحدوث، فيبدأون يهولون منها ويعطونها زخما إعلاميا هائلا.
وقد رأيت تحقيقا صحافيا قبل أيام في الزميلة «عالم اليوم» حول سن الزواج للفتاة، فأعجبني تعليق أحد الدعاة وذلك بقوله ان مسألة سن الزواج مسالة شرعية لا تحتمل الأهواء، فصدق والله، فالشرع كفل للمرأة حق قبول ورفض الزواج وطلب الخلع، كما وفر لها وليا يقوم على رعايتها وينصح لها في زواجها وحمله مسؤولية ذلك بقيود شرعية صارمة، فلذلك يجوز للقاضي أن يحجب ولايته ويبطلها إن ثبت نقص أهليته.
ويبقى أن نرى أن نبينا صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها وعن أبيها وهي بنت الست سنوات ودخل بها وهي بنت التسع، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون من بعده وكثير من أهل العلم والفضل، «فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط».