م.ضاري محسن المطيري
عدنا والعود أحمد، عدنا للكتابة بعد انقطاع أردت به ترتيب أعمالي وأشغالي التي تلخبطت في الآونة الماضية، بسبب انشغالي بإعداد صفحة «نوافذ رمضانية» التي نشرت يوميا على مدار شهر رمضان المبارك، والحمد لله أن توقفي عن كتابة المقالات وتفرغي لإعداد هذه الصفحة «كتاب ومؤلف - وقارئ للقرآن» أثمر وآتى أكله، حيث لمست ذلك عن طريق الثناء الطيب بحق الصفحة، والمتابعة الحثيثة لجمهور القراء لها، ولاشك أن هذا يرجع لتوفيق الله أولا، ولتفاعل المشايخ والقراء التفاعل الإيجابي معنا.
نعود إلى موضوع المقال الأصلي، وهو أن البعض مع الأسف الشديد اغتر بالعالم الغربي وافتتن به أشد الافتتان، وليته افتتن بتقدمه الصناعي ونظامه العمراني، بل اقتصر الأمر أحيانا إلى الافتتان ببعض أخلاقه البالية وعاداته المنكوسة المخالفة للفطرة السليمة، حتى ان بعضهم ظن أن هناك علاقة وثيقة بين الانحلال الأخلاقي والانخلاع من رداء الدين وبين التقدم والتطور المادي، وهذا بلا شك ذروة الفهم السقيم.
فإن كان البعض افتتن بناطحات السحاب والزحف العمراني، فلنا سلف في الأمم المشؤومة كثمود قوم صالح، (وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا)، وإن اغتر البعض بسلطة الطغاة وجبروتهم، فلنا في فرعون عبرة، (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي)، وإن هال البعض رؤية القوة الجسمانية لأعداء الله، فلنا سلف في عاد قوم هود، (وزادكم في الخلق بسطة)، وإن كان البعض أعمت عينيه الرأسمالية والنظام الغربي الاقتصادي الذي عصفت به مؤخرا الأزمة العالمية وكشفت عواره، فإن لنا في قارون آية، (فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه).
فعجبا ممن يزور بلاد الغرب أو يراها في الفضائيات فتغره زينة الحياة الدنيا وتعمى بصيرته، فإنما على المسلم أخذ ما هو نافع عند الغرب فحسب، فالحكمة ضالة المؤمن، وليس من الحكمة أخذ قوانينهم الوضعية وأخلاقهم الرديئة وعاداتهم المريضة، وإنما الحكمة أخذ ما يعين المسلم في آخرته، أو ما يسهل عليه أمر دنياه بما لا يعارض دينه.
ولا يكون تقييمنا للغرب بعين عوراء، نذكر محاسنهم الصناعية والعمرانية والنظامية الدقيقة، ونغض الطرف عن الانهيار الأسري والفراغ الروحي الذي تعاني منه بعض تلك الشعوب، ولا يكون هدهد سليمان عليه السلام أعقل منا، فإنه لما رأى مُلك بلقيس وبلاد سبأ، قال (إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم)، فذكر الوصف الدنيوي المهول العظيم، ولم يقف عند هذا الوصف فحسب، بل ذكر ما تشمئز منه النفوس السليمة المؤمنة، وذكر المنكر الذي هم فيه، فقال (وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون)، فلا خير في ملك وعرش عظيم مع شرك وإلحاد.
[email protected]