والله «ملينا» من الانتقائية المتكررة في تطبيق القانون، و«طفرنا» من المزاجية المعهودة في الالتزام بمواد الدستور، و«زهقنا» من الديموقراطية المفصلة على قياس أهواء أهلها، والمشكلة تعظم وتزيد إذا كانت هذه الانتقائية وهذه المزاجية وهذه الديموقراطية العرجاء تصدر من أناس يرون في أنفسهم أنهم نخبة المجتمع، وأنهم مثقفون عقلانيون متحررون بل ووطنيون «حبتين» زيادة عن الآخرين، وهم في الحقيقة أبعد ما يكونون عن الثقافة والعقل والتحرر والوطنية للأسف الشديد.
يوجب البعض علينا احترام القانون وهم أول من يكسره، تماما كما عودونا بمناداتهم باحترام آراء الآخر، وحين بحثنا بمعنى «الآخر»، بالطبع وجدنا أن أتباع التيارات الإسلامية لا يدخلون تحت معنى «الآخر» بأي حال من الأحوال، نعم يدخل اليهودي والنصراني والهندوسي والبوذي تحت معنى «الآخر» لكن لا يدخل المسلم والمستمسك بدينه، وقضية حجاب المرأة في تركيا وتونس وفرنسا قضية لا يمكن نسيانها وصداها لايزال موجودا، وقضية النقاب في مصر ليست عنا ببعيد، فلم نسمع ممن يتشدقون بحقوق الإنسان واحترام الحريات أي استنكار أو شجب على الانتهاكات التي نالت حرية المسلمين الدينية المتمثلة بالحجاب الشرعي، وخلاصة ما يريدوننا أن نفهمه هو أن «القانون وضع لنا وعلينا نحن المساكين، واحترام الآخر وضع لغيرنا ممن له صوت عال ونفوذ».
البعض زعم أن الفتوى التي أصدرتها وزارة الأوقاف حول وجوب التزام المرأة المسلمة بالحجاب الشرعي والتي تخص قضية انتخاب وترشيح المرأة انقلابا على الدستور، ونحن نقول زعمكم هذا ورفضكم للفتوى هو الانقلاب الحقيقي على الدستور، انقلاب على دستور مادته الثانية تؤكد أن دين الدولة الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وما ذبحنا ولا أخرنا عن ركب التقدم والتطور مثل كثرة الجدال والمراء، فصار حجاب المرأة وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاختلاط بين الرجال والنساء محل نزاع وخلاف وسجال طائل لا معنى منه، وصارت المطالبة بالاختلاط وإقامة حفلات الرقص والعري ولبس المايوه في حمامات السباحة أهم من المطالبة بتحسين الوضع المعيشي للمواطن وتوفير المستوى المُرضي من العملية الأمنية والتربوية والإسكانية لدى بعض أعضاء مجلس 2009.
لست أعجب في هذا الزمن من وجود من يجادل في حقيقة ومشروعية النقاب، فقد سبق أن وجدنا من يشكك في أكبر من هذا، فوجدنا من يجادل في مشروعية ستر المرأة لشعرها وبدنها وفي فرضية الزكاة ومشروعية تعدد الزوجات وفي قسم الله في الميراث، ورأينا من يشكك في حرمة الربا والخمور، بل إني رأيت قبل أيام من يشكك في أمور عقائدية كمن كتب حول التشكيك بعصمة الأنبياء وبحفظ الله عز وجل للسنة النبوية.
في الختام، لا يفوتني أن أشير إلى وجود مفارقة عجيبة بين مواقف تزامنت بتقدير من الله تعالى بعضها مع البعض، الموقف الأول فتوى الأوقاف حول حجاب المرأة الشرعي وتصريح العلامة د.ناصر الشثري حــول قضية الاختلاط، والموقف الثاني حادثة استهزاء شــــيخ الأزهر محمد طنطاوي بالفتاة المنقبة، وأقول ألا تســــتدعي هذه المفارقة العجيبة والغريبة مزيدا من التدبر للحال الذي وصــلت إليه أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟!
[email protected]