كلما تحدث مسلم غيور على دينه ونصح وذكر، طعنوا بنيته، وما أدراهم بالنيات؟! وزعموا أنه يستغل الدين ليلفت الأنظار إليه، ولتكون له المنزلة الرفيعة والكلمة المسموعة بين الناس، وهذا هو تماما ظن قوم فرعون بموسى عليه السلام حين نبأ وأتاهم بالبينات (قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض وما نحن لكما بمؤمنين)، وكلما آتى داعية يريد هداية العالمين، وقد أصابته حرقة لما يرى من انتهاك لحرمات الله، ردوا عليه بكل جفاء وغلظة، متهمينه بالتناقض، وزاعمين أنه يأمر بشيء وهو يأتيه، وينهى عن شيء وهو لا ينتهي عنه، ولسان حالهم يقول «تنصحنا وما تشوف نفسك أولا»، تماما كما قالت قريش لنبي الرحمة صلى الله عليه وسلم (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله)، أي كيف تأمرنا أن نعظم المسجد الحرام والأشهر الحرم وأنت وأصحابك لا تعظمونها؟! يشيرون بذلك إلى خطأ بعض الصحابة في قتل بعض الكفار في شهر رجب المحرم.
وأتى أذناب هؤلاء اليوم ليحيوا هذه الردود ويجددوا هذه الشبه ويلقوها على كل داعية إلى الله وناصح، فاتهموا من يستشهد بالفتاوى الشرعية من أتباع التيارات الإسلامية جمعاء باستخدام الدين لمآرب سياسية وأطماع شخصية، ودأبوا بكل جد على ترويج هذه التهمة في كل محفل ومجمع، ولكن لو رجعنا قليلا إلى الوراء، لنرى حقا من هم الذين استغلوا الدين لمقاصد دنيوية ولووا أعناق الأدلة ليبرروا آراءهم وأفعالهم.
فأول ما طرحت قضية ما يسمى بحقوق المرأة السياسية صرح كثير من نواب المجلس آنذاك برفض القانون لنواح شرعية، فسلك خصومهم الليبراليون مسلك الإرهاب الفكري فجمعوا وحشدوا الفتاوى الشاذة والأقوال المرجوحة ليفرضوها على المجتمع عنوة، فخرج علينا من لا يحسن الوضوء ليصحح ويضعف الأحاديث النبوية، وأتى إلينا من لا يجيد قراءة الفاتحة ليفسر لنا النصوص القرآنية، وقديما قالوا «من تكلم في غير فنه أتى بالأعاجيب»، ثم هم أنفسهم الآن ينقلبون على الشريعة، ويريدون أن يلغوا اشتراط (الضوابط الشرعية) من قانون المرأة، القانون الذي أضفوا عليه صبغة شرعية قبل سنوات قليلة، إذن من هو الذي يستغل الدين ويقحمه لتحقيق أجنداته؟!
وكذلك حين روج الليبراليون للديموقراطية، واجتهدوا في إثبات أنها لا تعارض الدين، بل زعموا أنها من الدين، فأتوا بالنصوص «وطاحوا فيها تفسيرا بالمزاج والهوى»، وقاسوا الديموقراطية الغربية بالشورى الإسلامية، وكان قياسهم هذا كقياس إبليس حين فضل النار على الطين، قال ابن عباس وابن سيرين «أول من قاس إبليس فأخطأ القياس، فمن قاس الدين برأيه قرنه الله مع إبليس»، ثم انقلبوا الآن مطالبين بإقصاء الدين عن السياسة، وليبرهنوا على عدم انسجام الديموقراطية الحقيقية مع الدين، إذن من هو سيئ النية الذي استخدم الدين لترويج أفكاره وتحقيق أطماعه؟!
في الختام، نقولها بصوت عال «الحمد لله أن كشفوا بصنيعهم هذا عن قبح وجه الليبرالية تجاه الشريعة الإسلامية، الوجه الأسود الذي طالما حرصوا على إخفائه»، ونقول لهم أيضا «لا تكابروا على حساب دينكم»، ولا تكونوا ممن قال الله فيهم (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم)، فإن كان بعض أو أغلب أو كل أتباع التيارات الإسلامية يستخدمون الدين لمآربهم الشخصية فليس في ذلك عذر لنا أو لكم عند الله في أن نأخذ من الشريعة ما نحب ونذر ما نكره (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)، بل علينا أن نأخذ بشرائع الإسلام كلها، لذا فالله يقول (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة)، و«السلم» هنا أي الإسلام، أي لابد من الدخول في الإسلام دخولا شموليا جملة وتفصيلا.
[email protected]