أكرم من نسب بالسيدة حفصة الأموية، فالخلفاء الراشدون الأربعة جميعهم أجدادها وزيادة، فطلحة والزبير أيضا من أجدادها، بل الحسين وعبدالله بن عمر من أجدادها، وليت الأمر اقتصر على الانتساب لهؤلاء الأفذاذ والندرة من الخلق، فالأمر أكبر من ذلك بكثير وكثير، فجدها هو أعظم البشر وسيد ولد آدم، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذه بلا شك هي غاية الشرف في النسب.
إنها حفصة بنت محمد «الديباج» بن عبدالله «المطرف» بن عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، فهي امرأة أجدادها هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذو النورين، وعلي ذو الفقار، والزبير حواري النبي صلى الله عليه وسلم ، وطلحة الفارس المقداد رضي الله عنهم.
ولست أعني في هذا السياق مجرد المفاخرة بالأنساب والأحساب، فلم يشفع لأبي لهب ولا لأبي طالب نسبهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا كونهما من أعمامه، ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم «من بطؤ به عمله لم يسرع به نسبه»، فالأول قال الله فيه (تبت يدا أبي لهب وتب، ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب)، والثاني قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم أيضا «أهون أهل النار عذابا أبو طالب، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه».
لكني إنما قصدت وعنيت أن هذا النسب يوضح مدى التداخل الاجتماعي العميق بين آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام، ويؤكد أنهم تساموا فوق كل الخلافات المزعومة، فالتزاوج بين الآل والصحب امتد إلى ما يقارب 150 عاما، أي بعد أحداث صفين وموقعة الجمل، بل وظهور الدولة الأموية ثم انحسارها في الأندلس، وظهور الدولة العباسية بعدها، وغيرها من الفتن والانقلابات والشغب والاغتيالات.
ولا يفوتني في هذا المقال إرجاع الفضل لأهله، فقد استفدت في مقالي هذا من أحد إصدارات مبرة الآل والأصحاب، وهي مبرة تعمل على لم شمل المسلمين سنة وشيعة تحت مظلة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
وبإذن الله يكون في يوم عاشوراء أيضا مناسبة كريمة للم شمل المسلمين جميعا، وذلك حين نستذكر موقفين عظيمين، أحدهما يدعو للشكر، والآخر يدعو للحزن، فهو يوم أنجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه من فرعون وجنوده، فسن لنا صيامه، وجعل فضله تكفير عام فائت، وهو أيضا يوم استشهد فيه سبط رسول الله وريحانته وسيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي رضي الله عنه، وفيه نعلم رخص الحياة أمام المبادئ والقيم.
[email protected]