كيف تروج لرأي شاذ يخلق تشويشا لدى عامة الناس؟ وكيف تجعل منه قولا معتبرا محترما فيما يبدو للجهال؟ خذ هذه الوصفة السهلة التي كفلها لك الإعلام العربي الفاسد، الذي لا هوية له ولا رسالة، إعلام يلهث خلف كل ما هو نشاز وشاذ وغريب، قم أولا بطرح رأيك السقيم الهزيل بتدرج، يعني لا تقل مثلا الزنى حلال، بل ولا تقل الخلوة بالأجنبية حلال، لا ولكن قل بداية ان الاختلاط حلال ولا أصل شرعيا في تحريمه، كخطوة استباقية لما ستقوله فيما بعد.
لا تتسرع وتكشف جميع أوراقك مرة واحدة، فتحرق عليك بقية الجولة، ولكن اطرح آراءك خطوة خطوة، فلإبليس خطوات كما قال تعالى (ولا تتبعوا خطوات الشيطان)، لكن قد تقول من أين لي أن آتي بقول غريب وشاذ فمخي مقفل؟ أقول لك: الأمر أسهل مما تتوقع، عليك بكتب المستشرقين وشبه الفلاسفة الملاحدة اللي ما عندهم شغل، فهي تفيض بهذه الأقوال، تماما كما يفعل بعض من يتسمون هذه الأيام بمفكرين وأدباء ومستنيرين، فلا تقلق، فلن يفوقك أحد، والمجال في الإبداع لايزال واسعا، عفوا أعني «الابتداع».
ثم اذكر بعد ذلك أدلتك، عفوا شبهك وتدليسك وتخليطك، وغلفها بشيء من والسجع، ثم ابدأ مرحلة تبادل الأدوار، فيصورك أصدقاؤك في الإعلام بصورة مجدد العصر ومنقذ البشرية وشيخ الإسلام، وإن لم يكن لك أصدقاء فلا تحزن، فالصحافة مليئة بمن يتربص بهذه الأمة الشر، وبمن يبحث عن أمثالك ليضعه على الأكتاف.
ورغم أنك لا تفرق بين الناسخ والمنسوخ، ولا بين العام والخاص فلا تخش افتضاح أمرك، فنحن في آخر الزمن حيث ينتشر الجهل، وفي الحديث «إن الله لا ينتزع العلم انتزاعا من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا، فأفتوا بغير علم فضلّوا وأضلوا»، فإنك إذا ذكرت نصا مبتورا لأحد أعلام الأمة الكبار أو تقولت عليه زورا، فهل تظن أن هناك من العامة من يحقق خلفك فيما نقلت؟ لا أحد، إذن توكل على الشيطان ولا يهمك، وقل ما تشاء وكيفما تشاء، فلكل داع أتباع.
ثم إذا بدأت مرحلة انكشاف أمرك وقام أهل العلم بتعريتك فتمسكن، وطالب بمجرد احترام رأيك وحرية فكرك ومعتقدك، وأوهم الناس أن قضيتك قضية خلافية شرعية، وسارع من الجهة الأخرى باتهام خصومك بأنهم يكفرونك ويحرضون على قتلك، وبنشرك للآراء الشاذة والأقوال المنكرة، تكون قد خطوت خطوة كبيرة في تحقيق مشروع مفت، فتسلط عليك الأضواء وتفرد لك الصفحات وتتقلد أعلى المناصب الإدارية والشرفية، لكنه مع الأسف مشروع مفت قصير الأمد، أتدري لماذا؟ لأن من كتبت لهم الحظوة زمن الخليفة العباسي واشتهروا بمخالفتهم للإجماع من خصوم الإمام أحمد بن حنبل في فتنة خلق القرآن دفنوا في مقبرة التاريخ، فلا أنت ولا أنا ولا عامة الناس يعرف حتى مجرد أسمائهم، وكذلك الحال مع خصوم الإمام البخاري وابن تيمية ومحمد عبدالوهاب.
[email protected]