تاريخ زعماء الإبادة البشرية في هذا الزمن تاريخ أسود عفن، أجلكم الله، ولا يماري في ذلك إلا مجادل يغالط نفسه ويكذب الحقائق والواقع، ولئن كانت حقوق الله مبنية على المسامحة، فإن حقوق الناس مبنية على المشاحة، ولئن قبل الله تلفظ بعض الطغاة بالشهادتين وبالتوبة وببناء المساجد، فإن الديون والمظالم والمغارم التي تحمّلوها من الشعوب المسكينة والمبتلاة كثيرة وكبيرة لا يمكن أن تمحوها مجرد توبة أو استغفار، ولذلك لما عفا الرسول عن اليهودية التي سمته سما خبيثا أحس بوجعه إلى وفاته صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها واقتص منها حق ذاك الصحابي الذي قتل من فوره بالسم.
هناك قنطرة بعد الصراط تنتظر هؤلاء الطغاة وزمرتهم، هذا إن تجاوزوا الصراط الذي يضرب على جهنم، ولم يهووا فيه إلى أسفل سافليين، هناك عند القنطرة بالتحديد يأتي كل مقتول ومكلوم ومظلوم ومسلوب ومهان من تلك الشعوب التي عانت الويلات، لتأخذ من حسنات هؤلاء الظلمة وترمي عليهم السيئات.
ومع هذا كله، فالمسلم لا يجزم ولا يشهد لأحد بجنة ولا بنار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، وهذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة، مبسوط في كتبهم فليراجع، ومهما طغى الإنسان وعاث في الأرض الفساد ووقع في الكبائر سوى الشرك بالله فإنه تحت المشيئة الإلهية، إن شاء عفى عنه ابتداء، وإن شاء عذبه ثم مآله إلى الجنة ما دام محققا لأصل التوحيد، قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء).
وكلنا سمع بالحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل 99 نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل 99 نفسا، فهل له من توبة، فقال: لا، فقتله فكمل به 100، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فقال: إنه قتل 100 نفس، فهل له من توبة، فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة.. وفي تتمة الحديث قال: (فقبضته ملائكة الرحمة).
وفي صحيح مسلم أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث: (أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وان الله تعالى قال: «من ذا الذي يتألى علي أن أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك)، فيا عجبا بعد ذلك لمن يتكلم ويحكم على الآخرين بجنة أو نار، وكأن مفاتيح الجنة والنار بيده.
أخيرا، لم أشأ الكتابة في هذا الشأن الواضح، وهو كون رحمة الله واسعة وتجبّ الذنوب جميعها سوى الشرك الأكبر، إضافة إلى أن هذا الأمر قد يثير البلبلة ويفهم على غير مقصده الصحيح فيضر أكثر مما ينفع، حتى وجدت من بعض الكتاب مع الأسف الجرأة في إصدار الأحكام على بعض الطغاة الذين هلكوا مؤخرا بأنهم من أهل النار حتما، ولا أمل لهم برحمة الله مهما صنعوا بزعمهم، فتألوا على الله بغير حق، فلا يقارن عفو الله بعفو البشر الضعفاء البخلاء، كما أكرر أنه يجب ألا يفهم من كلامي هذا تسويغ أفعال الطغاة أبدا، أو الحكم عليهم بالجنة، أو بضياع حقوق الآدميين، فإن حقوق الناس مبنية على المشاحة كما ذكرت في مطلع المقال.
[email protected]