يبدو أن حلحلة مجلس التعاون الخليجي وإضعافه بدأ منذ فترة طويلة عبر الهدم الناعم لمؤسساته، إما بتصفيتها أو إضعافها أو خصخصتها، كما كاد أن يحصل مع الخطوط الكويتية، وبعلم كبار المسؤولين ورضاهم.
كانت لدينا قبل أشهر بسيطة شركة تمتلك وتشغل أسطولا يتكون من 77 سفينة، وأكثر من 700 ألف حاوية، ولديها أكثر من 185 مكتبا حول العالم، وتغطي خدماتها أكثر من 275 ميناء في العالم، وهي «شركة الملاحة العربية المتحدة» التي تأسست عام 1976م، وهي الأولى في الشرق الأوسط.
كان مقرها الكويت، ثم انتقلت إدارتها فترة الاحتلال العراقي الغاشم إلى دبي، ثم استقرت في الدوحة، وتمتلك كل دولة من دول مجلس التعاون نسبة من الشركة، ويديرها مجلس إدارة مشترك منهم.
ولنجاحها الدولي، تأسست من خلالها في دبي شركة خدمات الملاحة العربية المتحدة المحدودة، والشركة العربية المتحدة لناقلات الكيماويات عام 2007م.
وفجأة.. أصابها إهمال متعمد، وبدأت الخسائر، وتم دعمها من هيئة الاستثمار الكويتية، ومن باقي حكومات دول الخليج، واستمرت بالخسارة، وكأن هناك تعمد لتدمير الشركة وبيعها، فتم التعاقد مع شركة ألمانية استشارية لإنقاذ الموقف.
ولا أعلم كيف تخسر الشركة طوال هذه السنين، ويتم بناء سفن جديدة، وتكبيد الشركة قروضا من بنوك بفائدة عالية!
وفجأة ثانية.. وقعت شركة الملاحة العربية المتحدة وشركة هاباغ ـ لويد الألمانية اتفاقية دمج الشركتين، وألغي ترخيصها كشركة خليجية.
وفجأة ثالثة.. أسدل الستار على شركة الملاحة العربية بتاريخ 31 مايو 2017م، بانضمامها لشركة هاباغ ـ لويد الألمانية بشكل نهائي، والتي اشترتها بثمن بخس.
ومثل هذه الشركات الدولية لا يمكن اتخاذ قرار بيعها دون الرجوع لرؤساء حكومات الدول الشريكة، وليس بموافقة فردية من أعضاء مجلس الإدارة، أو من العضو (الدولة) الأكثر استحواذا على الأسهم.
كم هو مؤلم أن نرى شركة عربية عملاقه تندثر بعد أكثر من 40 سنة من النجاح ودعم النقل البحري العربي، لتذهب الشركة أدراج الرياح، فالدول الكبرى تحرص على مؤسساتها الوطنية ولا تفرط بها، فقد وقعت شركة CMA/CGM الفرنسية في خسائر كبيرة عام 2008م، وأنقذتها الحكومة لتبقى خط وطني فرنسي، ورفضوا بيع ٢٠% لدولة أخرى، ونحن 6 دول خسرنا أنجح ناقل بحري في العالم.
لا يعلم خبر البيع كثير من الناس، ولعله يمثل صدمة لدى البعض، خاصة ممن عاصروا فترة النجاح، ومن الضروري إجراء التحقيقات اللازمة، خاصة أن الشركة بدأت تحقق أرباحا منذ الربع الأخير من العام الماضي 2016م، وبداية الربع الأول من هذه السنة 2017م.
أعلم أن فئة ما بدأت منذ زمن بالاستحواذ على المؤسسات الوطنية «الناجحة» باسم الخصخصة تارة، والمبادرة تارة أخرى، وبسعر بخس، ولا تقوم بأي دور تطويري لها، وينخفض مستوى الخدمات، وقد ترفع أسعارها، وينخفض نسب الموظفين الكويتيين، وهذا مؤشر سلبي على المستوى القريب، وخطير على المستوى البعيد، وفي الفم ماء.
أسأل الله أن يحفظ كويتنا من الطماعين، ومن سراق المال العام بالحلال المزيف (خصخصة، استحواذ، استيلاء.. الخ)، وأسأله تعالى أن يعم الأمن والأمان في ربوع البلاد، فإذا انتشر الظلم، وعم الفقر، فأبشر بالبلاء، وإذا عم العدل، وانتشر الخير، فأبشر بالرخاء.