قتل أبوجهل يوم بدر على يد الفتيين معوذ ومعاذ ابني عفراء رضي الله عنهم، اللذين كانا في السادسة عشرة من عمرهما، وأجهز عليه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، فسأله أبوجهل وهو ينازع الموت: «لمن الغلبة اليوم؟» فرد عليه ابن مسعود: «لله ورسوله يا عدو الله»، ووضع قدمه فوق رقبة أبي جهل، فقال له أبوجهل: «لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم»، حتى انه لم يقل يا راعي الغنم!
لا يخلو أي انسان من حظ النفس، ويضبط ذلك الدين والتربية والقيم والعادات والتقاليد، ويحكمه الاستقرار النفسي من شعور بالثقة أو النقص وغير ذلك، ويشترك في ذلك الكبار والصغار، والفقراء والتجار، والمتدينون والعلمانيون، والرجال والنساء، والمتعلمون والمثقفون والأكاديميون وغير المتعلمين، وكافة أصناف البشر.
إلا أن الناس تستغرب من الغرور عندما يغزو العلماء أيا كانوا، علماء الدين والدنيا، لأنهم قادة العلم والثقافة والفكر والرأي والتنوير، ونهلوا من العلم ما يجعلهم أكثر تواضعا، لأنهم عرفوا قيمة العلم، وعرفوا أن من ادعى العلم استكبارا فقد جهل، وأنهم مهما بلغوا من العلم، فهناك من هو أعلم منهم.
وهذه الثقة المفرطة لدى بعض العلماء والمفكرين تتحول إلى غرور، وتجعلهم يعيشون داء «العظمة»، فيستصغرون الرأي الآخر، هذا إذا لم يستصغروا الناس أصلا، ويسفهوا العلماء الآخرين، ويتهم بعضهم بعضا بعدم الفهم.
ويصعب علينا الأمر كثيرا عندما نرى ذلك الغرور لدى علماء الدين، الذين يفترض بهم التواضع، واحترام الناس. وأنا لا يهمني غرور غيرهم لانزواء القيم والدين لديهم، إنما علماء الدين تحكمهم آيات وأحاديث وأخلاق، وكل تصرفاتهم محسوبة عليهم بالكلمة والحركة.
وقد أدى غرور بعض العلماء إلى خلق صورة سلبية عنهم، ما دفع البعض إلى تركهم وترك معتقدهم، وكان إفراط الثقة بالنفس تفريطا بالأخلاق والقيم، وتسبب داء العظمة في الإكثار مما يسمى علم الكلام والحوار والمنطق دون تحصين النفس، وتسبب ذلك مؤخرا في ترك بعض البنات الحجاب وإن كن شرعيات بحجج واهية، وتطاول بعض الشباب على الصحابة الكرام، لارتباطهم بشخصيات معروفة بالتدليس قصدا أو جهلا، وتشجيع الخروج على جماعة المسلمين باسم حرية الفكر، ووصل الأمر مؤخرا إلى الإلحاد!!
الأمر جلل وليس بالهين، ولعلي أعلق جرس الإنذار قبل أن تقع الفأس بالرأس، والضحية أبناؤنا الشباب.
لقد قتل الغرور والثقة المفرطة العديد من الشعراء، وأشهرهم أبوالطيب المتنبي الذي قتله لسانه بأبيات هجا فيها رجلا يدعى ضبة من بني أسد، قال عنها النقاد انها من أفحش قصائده، منها هذا البيت:
ما أنصف القوم ضبة وأمه الطرطبة ... فلا بمن مات فخر ولا بمن عاش رغبة
فلما بلغت القصيدة ضبة غضب وغضب معه أخواله، فترصدوا له الطريق ليقتلوه، وحين رآهم هم بالفرار، فقال له غلامه: يا سيدي.. وأين قولك:
الخيل والليل والبيداء تعرفني ... والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فقال المتنبي: قتلتني يا ابن اللخناء، فعاد أدراجه ليقاتلهم، فقتل وطار رأسه.
نعم.. لقد قتله لسانه بغروره، وصدق الشاعر الذي قال:
كم في المقابر من قتيل لسانه ... كانت تهاب لقاءه الشجعان
الغرور قاتل، وأول ضحاياه حامله، وداء العظمة مرض مدمر فاحذروه، وحذروا أبناءكم من مرافقتهم أو التطبع بأطباعهم، ففي ذلك ضياعهم.