استمتعت بمحاضرة أستاذ الشريعة د.ياسر عجيل النشمي عندما قدم شرح معنى «أصول الفقه» باستخدام الحاسوب والصور والبوربوينت والتعليق الحي والهياكل التوضيحية، بطريقة لم يسبق لي أن رأيتها لدى أحد من قبل، متجاوزا الأسلوب التقليدي في الشرح والتوضيح، خصوصا لغير أصحاب الاختصاص.
ويذكر لي أحد طلبة كلية الشريعة أن د.ياسر يتحين الفرص لتغيير نظام الجلسة داخل القاعة لتغيير الروتين وكسر الملل، وإيجاد جو التنافس بين الطلبة بتقسيمنا مجموعات وكأنه سمر ثقافي، مع عروض سينمائية علمية بين الحين والآخر، وهو لم يخرج عن الآداب العامة، محافظا على هيبة العلم والعالم والمتعلم.
ومن لطائفه أن جاء بورقة عليها رسمة شكل مجرد، وطلب كل مجموعة أن تذكر ما هي، فأجابت كل مجموعة برأي مختلف لرسمة واحدة، فقال لهم: وكذلك النظر إلى القضايا الفقهية، يختلف الرأي فيها وفق الزاوية التي نظر إليها العالم أو الشيخ، ووفق المعلومات المتوافرة، وأسلوب السؤال، وغير ذلك، فكان درسا عمليا لن ينسوه، بعكس لو ذكره الأستاذ أو الشيخ سردا فقط.
ويذكر أحد الطلبة أن أحد أساتذة الشريعة قدم سؤالا فقهيا لطلبته، فقال لهم: هذه مسألة فقهية ذكر فيها العلماء الثلاثة الشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني رحمهما الله والشيخ القرضاوي رأيا خاصا، فاكتب تعليقك على هذا الرأي بنقد علمي، وإلى أيها تميل. فانطلق الطلبة بتمجيد رأي ابن عثيمين وصحة رأيه ورجاحته، وتعليقا متوسطا عن الألباني، وانتقدوا رأي القرضاوي نقدا لاذعا وجارحا، حتى زادت الأسطر عن الحاجة.
وقبل أن ينتهي الوقت المحدد للإجابة، وقف الدكتور قائلا: أعتذر يا شباب.. يبدو أنه حصل خطأ في ترتيب الطباعة؛ فرأي ابن عثيمين المكتوب عندكم هو رأي القرضاوي، ورأي القرضاوي هو رأي ابن عثيمين.
فالتفت أحد الطلبة وقال وهو يبتسم: والله صدتنا يا دكتور!
فعلق قائلا: هذا ما أردت إيصاله لكم، نحن لا نتعامل مع الآراء وفق قائليها، بل وفق منهجها، ولا نتعامل مع الناس وفق الأهواء، وإنما وفق العدل والإنصاف، فكل العلماء الأجلاء بشر، يصيبون ويخطئون، ورب طالب علم أهدى قولا من عالم، ورب تلميذ أفقه من معلمه، فلا كبير في العلم. كما لا ينبغي هدر بناء عالم لخطأ أو زلة أو اختلاف رأي، ولو سألتموهم لأنكروا تقديسهم وتمجيدهم، لأنهم كعلماء يعرفون الحق، ويحترمون العلماء، ويتأدبون معهم. انتهى.
وأذكر قبل 10 سنوات زارني أحد المشايخ من المغرب، وأخذته إلى ديوانية صادف فيها شيخ قراءات من مصر، وبعد انتهاء كلمة الشيخ المصري، قام الشيخ المغربي متجها إليه ليقبله على رأسه، فنازعه المصري ليقبله على رأسه حتى تفوق المغربي، فقلت له: لم ذلك؟ فقال: تربينا أن نتأدب مع العلماء، وهذا أكبر وأعلم مني، فقبلته على رأسه. لم يقل هو شافعي وأنا مالكي، ولم يقل له اختصاصه ولي اختصاصي، بل تعامل معه بأدب العلم والعلماء، وأعجبتني كلمته «تربينا».
وعند تكريم مجلس اللوردات رموز العمل الخيري الكويتي في لندن، رأى قادة العمل الإسلامي في بريطانيا الشيخ مشاري العفاسي، فتسابقوا للسلام عليه والتصوير معه، فلم يرد أحدا، ولم يقل هذا شافعي وهذا حنبلي، أو هذا أشعري وهذا صوفي، وتعامل معهم بكل تواضع وابتسامة، وهذا هو خلق حامل القرآن.
وهذا ما نتمناه من شباب الأمة ممن حملوا راية الدعوة والدين من حفظة كتاب الله والعلم الشرعي بالتأدب مع العلماء مهما اختلفوا معهم، فجمع الأمة أولى من تفريقها.