نقرأ بين الحين والآخر في الصحف دعاوى بيع عقار لورثة، أو تصفية أملاك لشركاء من عائلة واحدة، أو غير ذلك بين الأقارب، وهذا شيء مؤلم وفق ما نسمعه عن قضايا عائلية لأسباب مالية، فالرحم معلقة في عرش الرحمن، فيا ترى ما الذي يجعل بعض الناس يرفعون قضايا على أرحامهم في المحاكم؟
ذكرت في مقال سابق عن الدور السلبي للأب في عدم وضوحه مع أبنائه عند توزيع بعض الأموال أو العقار أو نصيب من الشركة على بعض الأبناء دون علمهم جميعا، ودون تبرير لتلك الهبة (شراكة، مكافأة خدمة ما،...الخ)، وفي ذلك تفصيل طويل.
وأيضا سكوت الأب عن ممارسات بعض إخوانه الشركاء أو بعض أبنائه الذين بيدهم القرار، في استخدام الأموال (هبات عامة، حفلات، هدايا، سفرات الأصدقاء،...الخ)، وحرمان الآخرين، ما ينمي الحقد والكراهية بين الأرحام.
ولا يستثنى متوسطو الحال والفقراء من ذلك، فكم سمعت من العديد منهم أنهم يحمدون الله على ابتعادهم عن تلك الخلافات كونهم لا يملكون المال، وعند وفاة الأب تظهر المشاكل بالمطالبة قانونا ببيع البيت الوحيد للورثة لأنهم محتاجون للمال، وكم سبّب ذلك في تشريد أفراد العائلة، وبالذات الأم والبنات غير المتزوجات.
ومن كثرة القضايا العائلية المالية، وضعت إدارة خاصة للإصلاح بين المتخاصمين، وخصص مستشارون من كبار الشخصيات لحل النزاعات بعيدا عن المحاكم.
ولست هنا بصدد تعداد أنواع المشاكل والخلافات، فما أكثرها، فهناك أمور أخرى عديدة تسبب ذلك الخصام لا يتسع المقال لذكرها، ولدى كل قارئ نماذج منها، ولكنني أردت أن أشير الى بعض الأسباب العامة التي يشترك فيها الغني والفقير، مهما كبرت القضية أو صغرت.
تنطلق شرارة البداية في «سوء الظن» الذي غالبا يكون هو المسيطر على النفوس، وهذا عادة يكون مخزونا في النفس، ويظهر مع أول اختلاف.
الأمر الآخر هو عدم صفاء القلوب، فلعلهم عاشوا أشقاء وأرحام سنوات طويلة مع بعضهم في سعادة وفرح، وقد يكونون في بيت واحد، حتى يتبين أن ذلك كان غطاء خارجيا لنفوس مشحونة.
أما الحسد (تمني زوال النعمة) والطمع، فهما آفتان فرقتا بين الأحباب، ولا يختلف اثنان على أن حب المال غريزة وفطرة طبيعية، لكن الجشع يتعدى الفطرة إلى الطمع بما في أيدي الآخرين، فيسلك صاحبها مسالك لا أخلاقية.
الأسوأ من ذلك، أن يتم التشهير بالأرحام عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وفي المنتديات العامة، وتوزيع التهم هنا وهناك.
أنا لا أتكلم عن الظلم الواضح، والاختلاس والسرقة والاستحواذ غير الشرعي.. وغير ذلك من الأمور المكشوفة والواضحة في التجاوز ومخالفة القانون، إنما أعني الأمور المختلف عليها، والتي يمكن حلها بالتراضي والتنازل والتغافل والصلح.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله».
وقال ابن القيم: «وقولهم من ترك لله شيئا عوضه الله خيرا منه.. حق، والعوض أنواع مختلفة، وأجل ما يعوض به: الأنس بالله ومحبته، وطمأنينة القلب به، وقوته ونشاطه وفرحه ورضاه عن ربه تعالى» (الفوائد).
أسأل الله عز وجل أن يصفي القلوب والنفوس، وأن يحرص الآباء على توضيح كل صغيرة وكبيرة لأبنائه (ورثته)، وأن يسعى الأقارب لحل الأمور المالية فيما بينهم بعيدا عن المحاكم، من غير تشهير، ولعل الرضا بالقليل يرتفع لدى الرب الجليل، ويشفي القلب العليل.