عندما نتكلم عن التمييز العنصري أو العرقي دائما ما تأخذنا عقولنا إلى التباين في لون البشرة لدى بني البشر من أن فلانا لونه أبيض والآخر لونه أسود بصفة عامة، ولكن هذه القضية في الولايات المتحدة الأميركية مشكلة مستعصية يعاني منها المجتمع الأميركي منذ عشرات السنين، إذ إنها تنبني على أسس طبقية مجتمعية ظالمة ترفع من قيمة وحقوق ذوي البشرة البيضاء وتهضم حقوق السود بظلم وإجحاف، وتصبح مطالبهم وحقوقهم ضائعة ومفقودة لا لشيء سوى بسبب لون بشرتهم السمراء، ولقد قام السود منذ أوائل القرن العشرين بحملات كبيرة طالبوا من خلالها بحقوقهم المهضومة وبعدم ازدراء أي إنسان بسبب لون البشرة، ولقد ناضل من أجل القضية العديد من النشطاء السياسيين أبرزهم مارتن لوثر كنج، حيث كان حلمه المساواة بين البيض والسود، حيث كان يحلم بمجتمع تنعدم فيه الطبقية والتمييز العنصري على أساس العرق أو اللون، ويعيش فيه المواطن الأميركي صاحب البشرة السوداء مع ذوي البشرة البيضاء في سلام وأمان وعدل وإنصاف، ولا ننسى مقولته المشهورة والتي «I have a dream».
من جهة أخرى لما تم انتخاب باراك أوباما كأول رئيس أميركي صاحب بشرة سوداء لأول مرة في تاريخ أميركا جزم الجميع بأن مشكلة التمييز العنصري ستنتهي إلى الأبد، ولكن للأسف لم يحصل ذلك، وإذا كنت من ذوي البشرة السوداء كأميركي ستجد في جوازك كلمة «African American»، ولو عملت فحص للحمض النووي DNA وكانت نتيجة الفحص أنه لديك 1% جينات بشرة سوداء فستصنف من ذوي البشرة السوداء حتى لو كان لون بشرتك بيضاء، ولكن بسبب جيناتك أصبحت من ذوي الأشخاص المفقودة حقوقهم.
في سنة 1970 قرر أحد المواطنين الأميركيين العنصريين من ذوي البشرة البيضاء والخدود الحمراء أن يبني مدينة صغيرة بأكملها لأناس ذوي بشرة بيضاء دون غيرهم، وقد كتب في لافتة الدخول إلى المدينة أنه ممنوع أن يدخلها الأشخاص ذوو البشرة السوداء، والغريب في الأمر أنه بعد عدة سنوات تحدى أحد النشطاء السياسيين صاحب القرية بأن يعمل فحص الحمض النووي DNA لسكان المدينة، والغريب أنه اتضح أن لدى سكان المدينة نسبة 9% من الجينات السوداء، وبعد شهر من هذه النتيجة ألغى ما يقارب نصف سكان المدينة عقودهم مع صاحب القرية لأنه اعتبرهم من ذوي البشرة السوداء أو «African American» على وجه التحديد، وانطلاقا من هذا الموقف أتت كلمة «I consider myself» ومعناها هو: «أنا أحدد من أكون» لا بشرتي هي من تحدد من أكون وما هي مطالبي وما هي حقوقي.
عندما نتكلم عن الكويت، فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا هو صلة الترابط الأسري والمجتمعي الذي تشتهر به، ويأتي ذلك على الترابط العشائري أو القبلي مثل قولهم: «كلنا عيال قرية»، فشعب الكويت يتميز بالعديد من الخصائص التي أهلتهم لكي يكون شعبا مميزا وهو مصطلح يطلق عليه «الفريج»، وهو عبارة عن مجموعة من البيوت تكون متجاورة بجانب بعضها، فسيكولوجية الفريج في الكويت لا تنص على أنه مجموعة من الأفراد تكون مجموعة - وهذا المتعارف - لا فالشعب الكويتي يمتاز بأن مجموعة البيوت في فريج تكون أسرة، فتجد أفراد البيوت من أطفال يعتبرون البيوت التي بجانبهم ليست بيت جيران بل بيوت أسرة لهم، فتجدهم يطيعون أوامرهم وينصاعون لكلامهم ويعتبرونهم كأهل لهم، فهذه هي الميزة التي يتميز بها شعب الكويت من أنه مجموعة بيوت تكون أسرة، لا مجموعة أفراد تكون أسرة، ولا شك أن هذا أحد العوامل التي ميزت الكويت في الساحة الخليجية، ولا ننسى عندما تعرض مسجد الإمام الصادق للتفجير في شهر رمضان الكريم كيف أن جميع الكويتيين اتحدوا مع بعضهم لكي يتخطوا هذه الأزمة ويزيلوا أثر السم الذي كان يدس من طرف الأعداء والحاقدين على دولتنا العزيزة الكويت.
وإذا أردنا إسقاط هذا المفهوم على دولتنا الحبيبة الكويت، فلا شك أننا سنجد تكرارا لظاهرة التمييز، حيث اننا نجد التصنيف على عدة معايير منها: المذهب كالسني والشيعي، ومكان الإقامة كالبدوي والحضري، ولون البشرة كالأبيض والأسود، وللأسف فإن فهذا المرض الذي يدعى «Racism» أو «Segregation» متفش في مجتمعنا بشكل رهيب وغير طبيعي، حيث انه أصبح أسهل وسيلة لكي تحصل على حقك من أي شخص في الدولة، وما عليك إلا أن تصرخ بصوت عال وتقول: يا محزمي أو يا ولد عمي، وإذا كانت مسألتك تحتاج الكثير من التعدي على القانون فعليك قول كلمة «تكفا» واعتبر أن حاجتك قد قضيت.
الزبدة: إذا كنت مرشحا من قبل قبيلة معينة فعليك استعمال جملة «تكفون يا بني عمي»، وإن كنت حضريا تسكن في المدينة فأكثر من كلمة «طراثيث»، وإن كنت صاحب مذهب سني متشددا فاستعمل مصطلح «المد الصفوي»، وإن كنت شيعيا متشددا فأكثر من مصطلح «حقوق الأقلية»، وإذا كنت تنتمي إلى السلك الحكومي فيكفيك أن تقول الجملة الشهيرة «هذول ضد القانون»، وإن كنت في طرف المعارضة فيكفي أن تقول «هذول مرتشين».
[email protected]