الثورة كمصطلح سياسي يعني الخروج من الوضع الراهن سواء إلى الأفضل أو إلى الأسوأ، وما حصل في مصر هو ثورة شعبية رأت من الأفضل أن تخرج النظام (السابق) من سدة الحكم إلى مرحلة تاريخية جديدة في مصر، مرحلة دقيقة وحساسة في الحياة السياسية في مصر بشكل خاص وأيضا الوطن العربي بشكل عام.
قراءة سريعة في تاريخ الثورات خاصة في دول العالم الثالث تشير إلى ان أكثر الثورات ينتهي بها المطاف إلى ديكتاتورية عسكرية تجثم وتبخر احلام الثائرين في التغير الجذري والشامل في أوجه الحياة سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية أو حتى ثقافية. السؤال الذي يطرح نفسه في ثورة 25 يناير، ماذا بعد التنحي؟
الوقت مازال مبكرا جدا للحكم، لكن نتمنى أن يمهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر الطريق للالتزامات التي وعد بها، ومنها صياغة دستور جديد، إلغاء قانون الطوارئ، وإجراء انتخابات حرة بعد فترة اتمنى الا تكون طويلة، كما ادعو اخواني من الشعب المصري الى الالتزام بالهدوء وانتهاج الحكمة في التعامل مع الاوضاع الحساسة التي تمر بها مصر العروبة. وضع يتطلب تماسك المصريين للخروج من عنق الزجاجة.
أما بالنسبة للأبعاد الإقليمية والدولية فستتعرض مصر لضغوطات على جميع الأصعدة للتأثير على شكل ومضمون الدستور الجديد، وأيضا على الأشخاص الذين سيتولون السلطة، وتأمين مصالحهم واحترام الاتفاقيات المبرمة. أحيي الجيش المصري العربي الأصيل حيال موقفه الحيادي والمنضبط من هذه الثورة الشعبية، فلم يطلق رصاصة واحدة، بل عمل الجيش على تهدئة الأمور وتجنيب مصر دوامة العنف، وتحية للرئيس محمد حسني مبارك لموقفه حيال ما حصل والذي ضرب أروع مثال على حبه لشعبه وتنحيه عن الرئاسة واضعا مصلحة مصر فوق كل اعتبار، وسيذكر التاريخ أهمية ما قام به الرئيس السابق.
ان تأثير ما حصل في مصر سوف تكون له ارتداداته على العديد من الأنظمة العربية وغيرها في المنطقة، خاصة الأنظمة القمعية والأحادية والسلطوية سيأتيها الطوفان ورياح التغيير الشامل، كما سيكون التأثير النسبي أيضا على الأنظمة المستقرة بشكل أو بآخر وعليها ان تغير نهجها وأسلوب تعاطيها السياسي والتأقلم مع المعطيات الجديدة لهذا التغيير في منطقة الشرق الأوسط وعليها الاستفادة من دروس هذه الثورات وتفعيل العمل المؤسسي وتطبيق سيادة القانون قولا وفعلا وتأصيل العدالة بمفهومها الشامل وإنهاء الفجوة الطبقية والعمل على استقرار الطبقة الوسطى ودعمها والتي تعتبر صمام أمان لأي نظام سياسي، كما أن مكافحة الفساد والرشوة والبطالة مهمة جدا للثقة والاستقرار. ستكون الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت والتغييرات على الأصعدة كافة في الشرق الأوسط.
وأدعو الاخوان المصريين إلى احترام الرئيس السابق محمد حسني مبارك، لأنه ابن مصر، وعدم تجريحه ويجب ألا يُنسى ما قدمه لمصر ومعاملته كأب، فبكل تأكيد لولا حكمته وتعاطيه الحكيم مع مطالب الشعب المصري لدخلت مصر في وضع لا تحسد عليه، ونحن في الكويت لن ننسى دور الرئيس مبارك ودور مصر وشعبها العظيم في تحرير الكويت من براثن الاحتلال العراقي، فلكم منا ككويتيين كل الاحترام والوفاء.
وأدعو إخواني المصريين إلى الابتعاد عن تصفية الحسابات والانتقام والتركيز على مستقبل مصر وتحقيق مطالبهم، واذكرهم بأن المؤامرات كانت ولاتزال تحيط بمصر من الداخل والخارج والايام بيننا هي التي سوف تكون كفيلة بإثبات ما اقول، فعلى الجميع التركيز على استعادة الامن والامان والتكاتف للوصول إلى بر الامان، واستعادة دور مصر القيادى على المستوى العربي والاقليمي والدولي.. كما كنا نتمنى أن يكون تسلم الحكم بالطريقة التي نص عليها الدستور والتى ضمنها المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصري في البيان رقم 2، بحيث يكون هذا الانتقال السلمي تأصيلا للنهج الديموقراطي ويكون مثالا مخلدا في التاريخ المصري، ودرسا في أصول التعاطي مع تداول السلطة بشكل حضاري.. لكن نقول قدر الله وما شاء فعل، ورحم الله شهداء مصر.
[email protected]