بدأت ظاهره الإساءة وتوزيع التهم منذ مطلع العام 2008 لأي مرشح لمجلس الأمة يريد الوصول إلى مجلس الأمة، فهي بمنزلة صك براءة من ان توجهه حكومي، وتذكرة شبه مؤكدة الى البرلمان، ومما زاد تكريس هذه الطاهرة الدخيلة على العمل السياسي هي الحكومات المتعاقبة منذ ذاك الوقت، بحيث يقرب المسيء، ويبعد من لديه طرح سياسي معتدل وعقلاني، وتدريجيا انتشرت هذه الثقافة إلى المجتمع، فاصبح توزيع التهم بطولة، والإساءة مرجلة، والتشكيك شجاعة.
اصحبنا نعيش في دوامة غريبة، فلم يكد يسلم احد من هذه الشائعات والتخوين الا من رحم الله، فكل من يخالف توجه التيار هذا أو ذاك في مرمى هذه الشبهات، وكل ذلك من اجل المصالح الشخصية المقدمة على المصالح العامة، متمثلة في الحفاظ على القواعد الانتخابية، فلم يحترم كبير ولم يرحم صغير، بل وصل الامر الى التشكيك في السلطات بصفتها وليس ببعض من أفرادها.
ومع بروز وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة في العام 2008 أصبحت هذه الظاهرة اسرع انتشارا واشد وطأة على المجتمع، دون أدنى شك، ان الأداء الحكومي الذي هو اقل من طموح عامة الشعب الكويتي، اصل هذه الثقافة الدخيلة، فأصبح المواطنون ضحية الأداء الحكومي المتواضع والذي لا يواكب متطلبات العصر، حيث الإنجازات قليلة وبطيئة جدا، وفي الجانب الآخر انتشار هذه الشائعات المخلوطة بقليل من الحقيقة، وأغلبيتها تأليف من اجل تكسبات سياسية.
والأخطر كان اتهام القضاء الكويتي بصفته واتهام أعضائه بالرشوة، وهاجت وماجت وسائل التواصل الاجتماعي إبان مرسوم إقرار الصوت الواحد، وإحالته للمحكمة الدستورية للفصل في مدى دستوريته، فبدأ مسلسل الرعب، وبدأت ترسل هذه السهام المسمومة تجاه القضاء الكويتي المشهود له بالنزاهة، إلى أن جاء رد البنك البريطاني كوت بأن كل هذه المزاعم بوجود حسابات وتحولات مالية، مزاعم غير صحيحة ومفبركة.
المعارضة في فترة الستينيات والسبعينيات وحتى في الثمانينيات، كانت حادة وقوية، لكنها لم تأخذ أسلوب التشهير والتشكيك والتخوين في مؤسسات الدولة بصفتها، انما كانت تنتقد الأداء من اجل تقويم الأخطاء، ولم تدخل السلطة القضائية، في صراعها السياسي، فالتزمت حدود اللعبة السياسية التي نص عليها الدستور.
أما ما يسمى بالأغلبية السابقة، فاتخذ بعضهم الفوضى سبيلا، والتشكيك منهجا، والإساءة طريقة من اجل الحفاظ على مصالحهم، ضاربين عرض الحائط بمصلحة واستقرار الوطن، كما كان اكبر خطأ سياسي ارتكبوه والذي جعل الناس تدريجيا ومع مرور الوقت الابتعاد عنهم هو أن معركتهم لم تكن للإصلاح، بل كانت معركتهم مع أركان الدولة، فلم تكن قاعة البرلمان بالنسبة لهم للتغير، بل اصبح الشارع هو السبيل.
نعم، لا بأس ان تكون هناك معارضة للأداء الحكومي المتواضع، فمن غير المعقول ان يكون كل الناس على رأى واحد، ولكن المعارضة الصحيحة هي بتقديم النصح والحلول والانتقادات في إطار ما رسمه الدستور، وليس بالفوضى والتشكيك والإساءات. نعم، حتى بالعمل السياسي، رقى الأخلاق سمو وارتقاء.
[email protected]