الأمانة والصدق وحسن الخلق، من الصفات النبيلة التي حث عليها ديننا الإسلامي الحنيف، بل أجمعت عليها الإنسانية كافة من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، وتغنت عن فضائلها البشرية على مر العصور، فلا ترى مجتمعا إلا ويثني ويحث عليها في جميع أوجه الحياة، الشخصية، الاجتماعية، السياسية، الاقتصادية، الإدارية، ملخصا بذلك بأن تلك الصفات أركان أساسية في النجاح والحد من الفساد، وتكريس الثقة والتي هي أساس التعامل الإنساني.
يحكى أن أحد أصحاب المناصب القيادية يتصف بمحبة الناس، دمث الخلق، متواضع، عادل في تعامله مع الموظفين، كريم مع ضيوفه في ديوانيته، علاقاته الاجتماعية مميزة، يشارك أصدقاءه أفراحهم، ويعزيهم بعزائهم، وكل من عمل معه يدعو له لأنه جمع بين الأمانة والصدق وحسن الخلق، لكنه عندما ترقى لمنصب أكبر في مؤسسته أتى بمدير ينظم أعماله، وهذا طبيعي حيث إن المشاغل كثيرة والمسؤولية كبيرة والأمانة ثقيلة، فاستعان بمدير لمكتبه.
في بداية الأمر، وخلال الأشهر القليلة الأولى كانت الأمور تسير وفق مبادئ هذا المدير أو على الخط الذي عرف عنه، ولكن كل هذا تغير عندما تمكن هذا الحاجب غير المبارك وغير الأمين في كسب ثقة المدير فبدأ هذا الحاجب باستغلال الثقة بالإساءة للموظفين وللناس فلا صدق ولا أمانة ولا حسن خلق، فبدأت الناس تضرب كفيها ماذا حصل لهذا المدير النبيل والذي كان يضرب به المثل؟ فلم يكن هذا المدير غير الأمين في أعماله التي كلف بها، ولا ناصرا للذين طلبوا النصرة من مسؤوله وهم بطبيعة الحال مظلومون، ولا فيصل بين الحق والباطل وأخيرا لم يكن مصدر سعادة للناس.
فساعات الصباح المشرقة الجميلة، أصبحت كئيبة ومظلمة لهؤلاء الموظفين وللناس، والذين أصبحوا بحالة من التوهان والصدمة لما يفعله هذا السكرتير بكسر والتفاف قرارات مديره! وبدأت الناس توصل الرسالة لهذا المدير عما يفعله سكرتيره أو مدير مكتبه بشتى الطرق ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، فقد حرص هذا السكرتير على وضع جدار كبير كسور الصين العظيم لكي يمنع الموظفين والناس من مقابله المدير لكي لاتصل الحقيقة إليه.
فازداد الكلام عند الناس، وكثرت الاستنتاجات، فمنهم من يقول إن المسؤول تغير، ومنهم من يقول إنه يعلم بتصرفات مدير مكتبه، ومنهم من يقول إنه لا يعلم، فبدأ يتلاشى حب الناس له، وبدأت تقف أكف الدعاء له، إلا من تقاطعت مصالحهم مع سكرتيره.
ومن هنا تجب الإشارة إلى ضرورة اختيار فريق العمل بدقة وحرص لضمان النجاح في أي مشروع أو موقع عمل ومن الأسس الأولية للحد من الفساد، وإلا فالصدق والأمانة وحسن الخلق ستكون شعارا من غير مضمون، يقول الإمام الشافعي رحمه الله.
قد مات قوم وما ماتت فضائلهم.. وعاش قوم وهم في الناس أموات.
[email protected]