لاشك ان من المواضيع المهمة على المستوى الوطني للكويت ما هو متعلق بأهمية التعليم الثانوي المهني والفني في الكويت ومدى الحاجة إلى تعليم ثانوي فني ومهني يحتوي على نموذج التطور المتمركز حول الإنسان.
ومن الملاحظ انه لم يعد تطوير التعليم الفني والمهني في ظل «التغيرات العالمية» من الأمور التي تدعو إلى الترف والرفاهية، لأن الإنتاج هو دعامة الاقتصاد القومي الذي يعتمد أساسا على «الموارد» البشرية المعروفة كما وكيفا، ويلعب التعليم الفني والمهني الدور الرئيسي في إعداد هذه الموارد البشرية المطلوبة لإمداد مؤسسات الإنتاج والخدمات بفروعها النوعية المختلفة بالكوادر العاملة بجميع مستوياتها امتدادا من العامل العادي إلى العامل المنفذ إلى الفني المشرف.
وإذا كانت نسبة البطالة على مستوى العالم وصلت إلى 14.4% في 2003، وبمعدلات وصلت إلى 26.8% في الشرق الأوسط وافريقيا، فان تغيرات فرص العمل في القرن الحادي والعشرين زادت الأمر حدة والكويت ليست بمنأى عن هذه المشكلة، حيث من المحتمل أن تركز على عمليات وخدمات جديدة تستلزم معارف ومهارات متخصصة ليست متاحة بعد في مؤسسات التعليم العام، وتحتاج الدول الأقل تطورا إلى مهارات فعالة بوجه خاص في التعليم والتدريب الفني والمهني.
وأمام هذه التغيرات والتحديات تبرز أهمية تطوير سياسات التعليم الثانوي الفني والمهني التي تحدد الموجهات المستقبلية لتطوير هذا النظام ودفع حركة نموه نحو تحقيق الأهداف المنشودة، ومن هنا نلحظ توجه الدول إلى تطوير سياساتها التعليمية من أجل زيادة فاعلية مواردها البشرية من خلال عدة سياسات متفاعلة مع تغيرات العصر الحاسمة، ومن أهم سياسات التعليم الثانوي المهني والفني سياسة التوسع في قبول الطلاب أو ما يسمى بسياسة الباب المفتوح، حيث إن المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية قد أدت إلى وجود اقتصاد عالمي جديد يتسم بالعالمية والسرعة العالية، ولهذا فان الدول تواجه هذه التحديات في مجال القدرة التنافسية، ولهذا يجب على الدول اكتساب المعارف، وإدارة الإنتاج بهدف تحقيق الجودة ورفع الإنتاجية والمرونة بسرعة مع متطلبات النظام العالمي التنافسي، ولهذا فلقد توسعت الدول في زيادة الأعداد التي تقبل بالمدارس الثانوية المهنية والفنية من أجل تعلم هذه المهارات الجديدة بسرعة، وعلاجا لنقص الأيدي العاملة المؤهلة المدربة للصناعات الجديدة وإدارة الإنتاج والخدمات الجديدة، كذلك من بين سياسات التعليم الثانوي الفني والمهني مواجهة الاستجابة الخاصة لقوى السوق عن طريق تشجيع إنشاء المؤسسات التعليمية المهنية والفنية في الكويت.
وأبرز سياسات التعليم الثانوي الفني والمهني هي توافر الخبرات المتعددة بدلا من مجرد إتقان مهارة وحيدة أو تخصص واحد، بحيث يكون العامل قادرا على التعامل مع الالكترونيات الدقيقة والحاسب الآلي والآلات الاتوماتيكية، وقراءة البيانات وسرعة التعامل معها واستخدام اللغات في قراءة هذه البيانات، واتخاذ القرارات الفورية الصحيحة في ضوء معطيات الموقف الإنتاجي أو اكتشاف الأخطاء وتصحيحها وإصدار القرارات الحاسمة في خطط الإنتاج ذاته، وفي إطار توسع النظرة إلى مفهوم تنمية الموارد البشرية، فان السياسات التعليمية اليوم تتجه نحو توسيع مفهوم التعليم المهني والفني من مجرد مهمة محدودة لتوفير تدريب للمهارات الخاصة بالصناعة، والمهارات الخاصة بالحرف إلى مهمة أوسع لتنمية الموارد البشرية والتعلم مدى الحياة من اجل التنمية المستدامة.
ومن اجل مواجهة حالة البطالة المستزمنة عالميا والبطالة المقنعة محليا، فان سياسات التعليم تتجه نحو ما يسمى بالتحويل العكسي حيث إن الكثير من خريجي التخصصات الأدبية يختارون التعليم المهني والفني في الكليات التقنية والمجتمعية.
ومن خلال عرض أهمية التعليم الثانوي المهني والفني وعلاقته بتنمية الموارد البشرية يمكن القول ان تحسين رأس المال البشري كان ظاهرا بشكل واضح في بعض دول آسيا، وفي الحقيقة أصبح تقريبا عنوانا في مناقشات اقتصاديات النمور الآسيوية، وقد أكد أهمية تنمية الموارد البشرية الأزمة المالية الآسيوية التي حدثت في أواخر التسعينيات بين 1997 و1998، والتي دعت بعض الكتاب العرب إلى التسرع بوصف دول جنوب شرق آسيا بالنمور الورقية، وقد أوضح تجاوز هذه الأزمة بقوة أن النمو الاقتصادي ليس غاية في حد ذاته، ولكن بدلا من ذلك يعني وسيلة للتنمية البشرية، ومن هنا فان البلدان الآسيوية وضعت تأكيدات على أهمية التعليم المهني والفني، معتمدة على اعتباراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فالتعليم المهني والفني ينظر إليه في غالب دول آسيا كحل للمشاكل التعليمية، من حيث تخفيض الضغط على التعليم العالي، ومعالجة بطالة خريجي الجامعات، كما يعمل على إيقاف الحاجة الى العمالة الأجنبية غير المؤهلة التي باتت الكويت تعاني منها على جميع الاصعدة المهنية والفنية، وتبرز ماليزيا كاحدى دول جنوب شرق آسيا التي تتجه إلى تطوير سياساتها التعليمية من خلال تنمية مواردها البشرية من اجل صناعة ماليزيا كدولة متقدمة بحلول 2020.
ورغم أن معدلات القيد الإجمالي في التعليم المهني والفني في ماليزيا مازالت منخفضة حيث تصل إلى 4.2%، حسب إحصاءات اليونسكو 2001، إلا أن ماليزيا تتبع سياسة الدمج بين التعليم العام والتعليم الفني والمهني من خلال مناهج المدارس الماليزية والتي تحتوي على تدريب مهني في سن مبكرة، حيث ان منهج المهارات الحيوية يتضمن المهنية الحرفية، والصيانة، والإصلاح، والإنتاج، ويقدم في المدارس الابتدائية، أما منهج المدرسة الثانوية العليا فان السياسات التعليمية الماليزية تبحث عن روح المنهج المتكامل للمدرسة الثانوية وعليه فان منهج الثانوية العليا منظم إلى المجالات الاختيارية والإضافية.
حيث هناك 9 مجالات أدرجت تحت المجموعات المهنية والفنية وهي: مبادئ المحاسبة، الاقتصاد الأساسي، التجارة، العلوم الزراعية، الاقتصاد المنزلي، الرياضيات الإضافية، هندسة الرسم، هندسة التكنولوجيا، الاختراع.
وعليه فان كل مجال اختياري مهني يوزع 4 فترات تعليمية بالأسبوع أو 8.5% من التعليم الكلي لمنهج الثانوية العليا، كما ان استخدام المجالات الاختيارية في منهج المدرسة موثق بشكل جيد في الأدبيات.
وفي الحالة الماليزية، الفكرة الأساسية لتقديم المجالات الاختيارية في المدارس الأكاديمية الثانوية هي أن تمكن الطلاب من تطوير مصالحهم وكفاءاتهم وإمكانياتهم، المجالات الاختيارية تستهدف تزويد الطلاب بأساس كاف لدخول عالم العمل أو لمتابعة التعليم العالي.
ومن هنا نستنتج ان الاستثمار الحقيقي يكون عبر الموارد البشرية وهي المقياس الأساسي الذي تقاس بها ثروة الامم.
مدير المركز الدولي للاستشارات والتدريب
[email protected]