فشل اليهودي «نفتالي بانيت» في إدارة شركته الأولى التي أسسها في «تل أبيب» في مجال برمجة الحاسوب، ثم أعاد الكرّة بعد أن راجع أسباب الفشل فوجد أنها ترجع الى الإدارة غير السليمة، وبعد أن صحح هذا الخلل نجح في تطوير نظام الكتروني جديد لحماية التحويلات البنكية عبر الانترنت فحقق نجاحا كبيرا جعل شركة أميركية تشتري شركته بـ 145 مليون دولار، ورغم هذا النجاح الا أن «نفتالي» قَبِل أن يعمل بغير راتب في حكومة نتنياهو بوظيفة «مدير مجلس المستعمرات» ومارس أعمال عنف استهدفت زراعة مليون يهودي في أراضي الفلسطينيين من خلال الاستيلاء على أراضيهم الزراعية وطردهم منها بحجة عدم الحصول على رخصة بناء، حيث ترفض البلديات الترخيص للفلسطينيين بينما هي ترخص بسهولة لغيرهم، ثم يقوم «نفتالي» بشق الطرق داخل تلك الأراضي ويقسمها الى أحياء سكنية فاخرة، يعيش الفلسطينيون خارجها في خيام رثة وظروف معيشية بالغة السوء، هذا الرجل «نفتالي» لم يشغله نجاحه كرجل أعمال عن رسالته كيهودي مخلص لأمته، لهذا فقد خدم في بداية حياته المهنية في وحدة رئاسة الأركان الحربية وشارك في عملية اغتيال ابو جهاد في تونس وثلاثة من القادة الفلسطينيين في بيروت.
نحن أمام نموذج لرجل الأعمال الذي يتبنى فكرا يقابله رجال الأعمال عندنا ـ أو أكثرهم ـ ممن يعتبر الحياة ليست أكثر من صراع على الدينار والاستمتاع بتحطيم الآخرين، فقط لا غير، ثم لا تطول الأيام به حتى يرى أن المال الذي جمعه كان سببا لنشوب حرب ضروس بين أبنائه، وظهور خصال سيئة ممن كان يعتبرهم أطفالا صغارا فإذا هم كالذئاب في البرية يصدق فيهم القول المعروف «وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه» فتتبخر الثروة، وتبقى الحسرة على الأسرة، فتجتمع عليه «خسارة المال في الدنيا وخسران الآخرة وسوء العاقبة فيها».
لقد بلغ اخلاص «نفتالي» لقضيته أنه انتقد إدارة «ايهود أولمرت» للحرب على غزة عام 2006 لأنها تسببت في مقتل 13 جنديا اسرائيليا رغم أن عدد القتلى الفلسطينيين قد بلغ 1400 معظمهم من المدنيين العزل الذين قُتلوا وهم في بيوتهم، ودفعه حماسه الى اقتراح تشكيل حركة شعبية اسرائيلية تعمل على تجديد الروح اليهودية الصهيونية في صفوف الشعب اليهودي وتعمق ايمانه بدولة اسرائيل والعمل على أساس أن «اسرائيل هي هي أرض الشعب اليهودي وحده، الذي له مطلق الحق في السيادة عليها، ولا يملك أحد حق التنازل عن أي شبر منها».. «لهذا فمن حقنا انتزاع ملكية أي أرض نحتاج لها لبناء المستوطنات».
نعم، نحن بحاجة الى نموذج جيد لرجال الأعمال الذين تكون مواهبهم سببا في إحياء القيم الكريمة وتقوية روابط المجتمع، واذا كانت الصورة الرائجة بيننا هي للتدميريين، فإن ذلك لن يخفي صورة أخرى لأشخاص دائبي الحركة فيما ينفع الناس، يتحركون وكأنهم «ناس وقف» وقتهم ومالهم وعلاقاتهم ومعلوماتهم، كل ذلك يبذلونه بلا مقابل دنيوي، هؤلاء موجودون وبكثرة، ولولاهم لما رأينا كثيرا من المنجزات التي تزين حياتنا.
كلمة أخيرة:
كان في السجن مع الإمام أحمد بن حنبل لص تأثر برفقة الإمام وأحاديثه، فتغير حاله وحرص على أداء الصلاة، وعندما كان الإمام أحمد يؤخذ ليضرب بالسياط حتى يذعن لمطلوب خصومه، فيما كان يراه باطلا، قال له اللص التائب: «يا إمام، إني لأجلد في السرقة مائة سوط وما أقر بمكانها، فلا أكون أصبر على باطلي منك على حقك، فإنما هي أول ضربتين ثم لن تشعر بوقع السياط بعدهما».. بالقياس، كيف يثابر اليهودي التاجر نفتالي ويكون اصبر على باطله من بعضنا على الحق؟!
عرضت فرس للبيع على احد الصحابة بسعر 300 دينار، فقال لصاحب الفرس «فرسك أثمن من ذلك، لا اقل من اربعمائة». ثم عاينه بدقة وقال له «لا اشتريه بأقل من ثمانمائة». قيل له: لم تفعل ذلك؟! فقال «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على اركان الاسلام، والنصح لكل مسلم».
[email protected]