لا يمكن الحديث عن نموذج رجل الأعمال صاحب المبدأ ـ مثلما مر في الحديث عن النماذج السابقة ـ دون الكلام عن نموذج عبدالله العلي المطوع، رحمه الله، فقد كانت التجارة مهنته وهي أيضا وسيلته لممارسة رسالته كداعية حمل الشأن الإسلامي داخل وطنه وخارجه منذ أواخر الأربعينيات ـ مواليد 1926 ـ وحتى وفاته عام 2006، وقد استمعت إليه يوما يتحدث مع وفد من مسلمي فيتنام عن حاجتهم لمطبوعات عن الصلاة وبقية أركان الإسلام، فقال لهم: «أي كمية أزودكم بها ستنفد بسرعة، ما رأيكم لو زودناكم بمطبعة أوفست، ومن خلالها تعيدون الطبع مرات ومرات؟»، وبالنظر لكثافة علاقاته بالشركات الألمانية طلب منها صناعة هذه المطبعة وشحنها مباشرة الى فيتنام، مثل هذا التصرف «التجاري» رأيته منه مع وفد مسلمي كوريا، قال لي شخص منهم التقيته على مأدبة غداء في بيت العم بوبدر يرحمه الله: «دخل الإسلام الى بلادنا على يد الجنود الأتراك الذين صاحبوا القوات الدولية بعد الحرب الكورية عام 1950، ومرت سنوات ونحن نصلي في شقة، في عام 1962 قررنا أن نرسل طلب مساعدة لبناء مسجد في سيئول العاصمة، من بين الرسائل الكثيرة جاءنا الرد من عبدالله العلي وفيه دعوة لنا لزيارة الكويت ومعها تذكرتا سفر، فحضرنا الى الكويت أنا وزميلي هذا ـ أشار اليه ـ وافتتح بوبدر حملة التبرعات، وبتوجيه منه زرنا عددا من تجار الكويت، رجعنا الى بلادنا واشترينا الأرض في ضواحي العاصمة لانخفاض ثمنها عن داخل العاصمة، كان موقعها على تلة مرتفعة وفي نهاية الستينيات انتهينا من البناء، في هذه الفترة امتد العمران حتى صرنا في وسط الجزء الجديد من العاصمة وفي موقع مرتفع لافت للنظر، كان هذا سببا لسهولة تعريف الناس بالإسلام ودخول الكثيرين الى المسجد ولو من باب الفضول».
انه التفكير العملي، كان هذا هو منهج التاجر عبدالله العلي المطوع، وفي نفس الوقت كان رجلا مستقلا لا يقيس مواقفه المبدئية بمصالحه التجارية، ليس في قضايا الرأي والفكر فقط، فهذا أمر مفروغ منه، ولكن حتى في تعاملاته التجارية التي لم تشبها شائبة غير سوية، أقول ذلك عن معرفة وثيقة ومعلومات دقيقة من أقرب الناس إليه من الموظفين، قال لي أحدهم: «أقولها والله على ما أقول شهيد، 40 عاما عملت فيها مع هذا الرجل، أعرف كل صغيرة وكبيرة في معاملاته، لم يدخل عليه فلس حرام». أكثر من ذلك، لم يكن يحب توظيف الأموال عن طريق البنوك والشركات أيا كان نوعها، استيقظ يوما بعد أن رأى في المنام شيئا يتعلق بكمية من الفحم وتفاصيل أقلقته، اتصل بمدير حسابه في البنك يستفسر «انتو سويتوا شيء في حسابي الجاري؟»، قال المدير: «نعم، وجدنا أن فيه مبالغ ضخمة فأدخلناك في عملية شراء فحم، في سوق السلع الدولية.. الخ» قال له «لم أطلب ذلك، أرجو إعادة الأمور الى ما كانت عليه وعدم تكرارها».
الكلام عنك يا عم بوبدر لا تستوعبه مقالة، يرحمك الله، والله نسأل أن يعوضنا في فقدانك خيرا.
كلمة أخيرة: لا يكتمل الحديث عن بوبدر بغير ذكر رفيق دربه، العم يوسف جاسم الحجي، حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية، وهو أيضا لا تكفيه مقالة ولا حتى مجلد، فقد كان الداعم لقيام أكبر المؤسسات في زمانه (بيت التمويل الكويتي ـ بيت الزكاة ـ موسوعة الفقه الإسلامي ـ الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية ـ جمعية النجاة الخيرية)، هذه كواكب الخير في الزمن الذي عشت فيه، وهي تضيء الطريق لأجيال كثيرة، عاصرتها، وأخرى ستأتي من بعدها.
ملاحظة: نتمنى أن تستكمل الموسوعة عملها بشمول المعرفة الفقهية لبقية المذاهب الإسلامية (تحديدا الاثنى عشرية، الإباضية)، حتى يعم النفع لأهل القبلة جميعا، والكويت مؤهلة لهذا العمل لأكثر من سبب.
[email protected]