فيصل الزامل
فتاة أسعدتها كلمات ناعمة معـسولة، فقدمت لصاحبها اعز ما عندها، ولم يكتف بذلك فأدخلها دنيا المخدرات مستغلا جهلها، ونقلها مع السموم من مكان لآخر لتسويقها حتى وقعت في قبضة رجال الأمن، ونجا هو، وكان قد تحسب للأمر، فصدر بحقها حكم بالحبس 30 عاما وهي لاتزال في سن 22 عاما.
كـتبت الفـتاة رسـالة الحسـرة والألم والندم المتـأخر، تصف العـالم الذي تعيشه برفـقة السجينات: «. . . لا أشاهد حولي سـوى منكوبات، في كل غرفة سجينة لها قصـة، وفي فمها غصة، ماتت أمي حزنا، وتبـعها والدي كمدا، ولا ادري كم سأعيش خلف هذه القضبان. . وهل سأموت بين أحشائها؟! »
انتهى.
تذكرت هذه المأساة التي نشرها الزميل عصام الفليج عندما شاهدت رسائل إعلامية يبثها تلفزيون الكويت، تحث على العفة بأسلوب شيق يخاطب فتيات بريئـات يتربص بهن ذئاب البـشر، وفـتيـة يمشون أولى خطواتهم في دنـيا محفوفة بالخطر.
هذه الرسائل تحبط خطط المفسدين من مروجي سموم إلى متاجرين قدموا إلى الكويت لتحقيق ثروة سريعة عبر إغواء الغافلين والغافلات.
كنا نتحدث عن كويت الماضي، يـوم أن كان عماد اقتصادها البحـر وما فيه من لؤلؤ، وكان أهلنا يعتاشون على جنيه من قاع البحر، ولكن إذا صادف شهر رمضان موسم الغـوص توقفوا عن العمل شهرا كاملا، وعـادوا إلى البحر بعد العيـد، ولم يفطروا الشهر بحجـة أن هذا مصدر عيـشهم، وعندما كـسد سوق اللؤلؤ، أبدلهم الله بالذهب الأبيض، الذهب الأسود.
نعم، كان القـرب من الله هو الرصيـد الحقيـقي لهذا الشـعب حتى في أيام الاحتلال، ظهرت بركـة أعمال الخير التي درجت عليها الدولة شـعبا وحكومة قبل ذلك الاحـتلال، فتـحقق شيء في شهـور قلائل، رغم أن النفط مـوجود في بلاد كـثـيرة، إلا انه لم يـحقق الشيء نـفسـه، وهذا من كـريم عطاء الرحـمن الرحيم.
إن كل المؤشرات تؤكـد أن النفط ناضب، ولا توجد علامة واحـدة تشير إلى جديتنا في الاستعداد لمرحلة مـا بعد النفط، على العكس من ذلك، تزداد كثافة السكان كـمواطنين من مليـون إلى أربعة مـلايين خلال عـشر سنين فـقط، مع انخفاض مؤكد في الموارد، ما يجعل مستقبل هذه البلاد غامضا، وليست لنا إلا رحـمة الرحـمن الرحـيم، فالأصوات والنداءات تتـسـرب في فضـاء الغـفلة والتجاهل وخيم العاقبة.
إن جوابنا لمن يسألنا من الشباب والشابات الحائرين أمام غموض المستقبل انه ليست لنا إلا طريقة أسلافنا ممن وصفت، وفي الحديث الشريف «من خاف على عقبه وعقب عقبه، فليتق الله».
نعم، سنستمر في العمل والسعي لوقف هذا الهدر، والدعوة للإعداد لما بعد النفط، ولكن النظام الذي نعيش في ظـله قد جعل الهدر مادة لارتـقاء البعض فيما يسمونه «الشعبوية» فلا يكاد العامل يعمل، وإما من يعمل فهو مستهدف إلى أن يغادر ويعمل في بلاد بعيدة.
إن الثروة التي بين أيدينا تتسرب، سواء ثروة مـادية أو بشرية، فيما رأينا مع تلك الفتاة، أو نقص الإنتاج، ولا حافظ لنا إلا الله، سبحانه وتعالى.