فيصل الزامل
علق أحـدهم على الانتـعـاش الاقـتـصـادي في منطقـة الخليج، وبالذات في قطاع شركات الاستثمار والمصارف، بقوله: «من الظواهر اللافتة، انك تلـتقي بالموظفين المميزين في هذه الشـركات ثلاث مرات في السنة أو السنتين، يحدث أن يقـدم لك أحدهم ثلاث بطاقات في كل مرة، واحـدة تشير إلى انتـقاله من شركـة إلى أخرى، أو من بنك إلى آخر، بسبب ندرة هذه الكفاءات، وارتفاع الطلب عليها». . انتهى.
توقفت عند عـبارته هذه، وبالطبع فـإن «معظم» الشـركات التي يشير إليها هي من التي تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية كما هو ملاحظ في السنوات العشر أو الخمس عشرة الماضية.
لقد كـانت الصناعة المصرفـية قبل نصف قـرن في منطقة الخليج شـبه مـقصـورة على الأوروبيين من المصـرفـيين، لم تكن الخبـرات الوطنيـة تحظى بفرصة عـادلة، حتى إذا توافـرت تلك الفرصـة فإن المزايا الماديـة تكون من نصــيب الأجنبي، بـغض النظر عن قــدرات الموظف الخليجي.
هذا الوضع تغير بشكل جـذري، وربما في الاتجاه المعاكس، حيث تستضيف البنوك والشركات الـعاملة وفق الشريعة الأجانب، سواء كعمـلاء من بنوك أو موظفين لديها، وجـميعهم ينظرون إلى خبرات الخليجيين في هذه الشـركات والمصارف على أنها مصـدر خبرة لهم، يتعلمون منهم صيغ العقود ونظام التعامل المالي الإسلامي.
إن النفط ثروة ناضبـة، وأما القدرات البـشرية فهي ثروة باقـية، هكذا هو الحال في دول ليـست لديها موارد طبيـعية مثل سنـغافورة وغيرها، ونحن قدرنا هو الاستثمار في الأجيال الناشئة، فهي ثروتنا الحقيقية.
لقد جاء هذا التـحول في توقيت رائع، مع تدفق السـيولة، وأموال النفط التي لو كـانت إدارة المصارف مـعها في يد الأجنبي لما وجهت هذه الأموال إلى المشاريع التي نراها تنشـأ كل يوم في دول الخليج، فإن النهج الذي يعـرفه «الأجنبي» هو تدوير تلك الأمـوال في السوق الدوليـة، وربما المشاريـع العقـارية في أسـواق لندن وغيـرها، وإذا سـألته قـال لك: «هذه أسـواق ناضجـة» رغم أن المؤسـسات الماليـة العالميـة تبحث عن الأسواق «الناشـئة» نظرا لزيادة فرص الربحـية فيها عن الأسواق القديمة في أوروبا وأميركا.
إننا نوجـه التهنئـة إلى الجيل المؤســـس لـهذا التوجـه، والذي تخلص في وقت مـبكر من عقـدة الخواجـة، بل وابتــكر من الصـيغ التمويليـة والعقود المطورة ما فتح آفـاقا عريضة لم تكن مـفتــوحة من قبل.
يبقى أن نقول أن بلوغ القمة قد يكون أمـرا سهلا، إذا قورن بأهمية المحـافظة على ما تحـقق من إنجاز، حيث يؤدي الانتـشار السـريع وكثافة الطلب على العنصر البـشري إلى ضعف في الجودة مع مرور الوقت، وربما تسرب ظواهر غريبة تحـتاج إلى رصد وتصحيح، أولا فأولا.