قالت الطفلة الصغيرة ذات الست سنوات لأمها بعد عودتها من المدرسة: «يمه، بالمدرسة بنت قالت حق وحدة ثانية: انتو من قبيلة كذا، واحنا من قبيلة كذا، وكذا وكذا.. يمه شنو يعني هذا؟».
لقد انحصر الكلام المنمق حول الوحدة الوطنية بين الكبار في المقالات والخطب الرسمية، بينما على المستوى العادي لمختلف الأعمار والاهتمامات «كل شيء على ما هو عليه»: النكت على بعضنا البعض، التنابز، التمثيليات التي تقوم على ثقافة ومنهج الاستهزاء بالآخرين.. لم يتغير شيء، للأسف.
استصدار القوانين لم يعالج شيئا في هذا الشرخ الآخذ بالاتساع، والثقافة الدينية لم تتحرك بنفس سرعة ذلك الصدع، تلك الثقافة «العظيمة» التي قالت لأحدهم «يا أبا ذر، إنك امرؤ فيك جاهلية» لأنه تحدث بلهجة عنصرية، فتمت معالجته بطريقة اقتلعت الجرثومة من أساسها، هذه الأداة الفعالة لم نهتم بها كما ينبغي، علما بأنها أكثر فاعلية - بكثير - من تشريعات برلمانية كثيرة لا يلتفت إليها الناس.
بمناسبة الحديث عن البرلمان والوحدة الوطنية، يؤثر أسلوب النواب في النقاش وتلك الألفاظ النابية المتكررة في خفض مستوى الخطاب بين فئات المجتمع وذلك تحت تأثير هذه القدوة السيئة للأجيال الجديدة التي تنظر الى تلك الحوارات كمقياس لما يجب عليه أن يكون أسلوب النقاش في هذا البلد.
لابد من تناول هذا الموضوع بعيدا عن الفوقية الخطابية، والاقتراب من الممارسات اليومية في كلامنا، اذا سمعت من يستهزئ ويقدم لك النكات المسيئة للآخرين فقل له: «من يقول لك هذا، يقول عنك أسوأ منه، احفظ نفسك وأهلك من الأذى».
يا سادة يا كرام، إن المشاحنة التي تحدث بين «الكبار» تنتقل الى «الصغار»، وقد وصل الأمر الى مشاجرات جماعية وفردية، وتسبب في جرائم قتل، وهذه الأمور ما كانت لتحدث لولا ذلك الشحن، ولولا وجود شعور بالمؤازرة من هذه الفئة وتلك، وهي مؤازرة شيطانية لا تلبث أن تتبدد اذا وقعت الفأس بالرأس، وهي مؤازرة واهية تماما يوم الحساب الأكبر، يوم يفر المرء من أخيه.. وفصيلته التي تؤويه!
إن خطباء المساجد، ومرشدي المجتمع هم من يتحمل المسؤولية الكبرى كونهم قريبين من الناس، بينما خطباء «الفنادق» يتحدثون من أبراج بعيدة عنهم، إن الزاجر الديني أكثر أثرا من سواه، كونه يلاحق المرء في ضميره، ولأنه يستبق الحدث، قبل أن يأتي دور المحققين والمحامين.
كلمة أخيرة:
فيما يتعلق بتوجيهات خطباء المساجد، لقد فشت ظاهرة هدم المساجد وإعادة بنائها بحجم ضخم يتجاوز حاجة كثير من الأحياء الصغيرة، بل يؤذي المصلين اليوميين بسبب طول المسافة للوصول الى الصف، حتى أحجم كثيرون عن هذه المساجد وبحثوا عن الصغير الباقي منها، هل هذا جائز؟ هل الصرف هنا أولى من مجالات الحاجة فيها أشد؟ ولو قارنت مصاريف الإنشاء، ثم مصاريف الصيانة على مدى ثلاثين عاما لوجدتها أكثر من مصاريف الإنشاء، ما يجعل عبء الدولة أكبر من عبء المتبرع.
من يصحح هذه المفاهيم، إن لم يفعل الخطباء، جزاهم الله خيرا؟!
[email protected]