في حديث مع مجموعة من مختلف الجنسيات، انتقد صديق لي ـ من الجنسية التركية ـ وجود قاعدة أميركية في الكويت، قلت له: «أنتم لديكم قاعدة «أنجرليك» الأميركية منذ أكثر من نصف قرن، ما مبرركم؟ نحن تعرضنا لعدوان معروف، بينما أنتم اليوم دولة كبيرة من مختلف النواحي الجغرافية والسكانية والسياسية وجيشكم الثاني من حيث الحجم في حلف الناتو، والدول المجاورة لكم تخشاكم، بينما نحن كما ترى وتسمع.. ترى من هو الأولى بتوثيق علاقته بالدول الكبرى؟»، كنا على طاولة طعام، فقام صديقي التركي إلى جهة الحلويات بغير تعليق.
مناسبة هذا الحديث هي مضاعفة البحرين لمساحة القاعدة الأميركية فيها، وإذا كانت جميع دول الخليج تعيش الهاجس الأمني بشكل متطابق، فإن الأكثر منها عرضة للتهديد هما الكويت والبحرين، ولا يمكن لومهما على استضافة قواعد في ظل الاستفزاز المتكرر وعدم الشعور بالطمأنينة من دول جوار لا تستفيد من تجارب ثلاث حروب أحرقت الأخضر واليابس، ومع ذلك لاتزال ـ الشعوب قبل الأنظمة ـ تتطلع إلى المزيد من الحروب، رغم أنها أورثت ملايين الأيتام والأرامل، وملايين المهجرين في الخارج وفي الداخل، وعشرات الملايين من المتخلفين عقليا وعلميا، كل هذه الدروس لم تنفع، فما الحل؟
القاعدة الأميركية في الكويت والبحرين ضرورة على أساس «نحن بين خيارين، أحلاهما مر»، ومع ذلك فهي تحتاج إلى إجراءات تزيد من المنفعة وتقلل من الضرر، بداية من الحفاظ على السيادة مرورا بتقليل العبء الاقتصادي وصولا إلى تحييد الأثر الثقافي. وفي التجربة التركية لم تتأثر السيادة الوطنية بسبب وجود القاعدة الأميركية، على العكس، كان لقرار تركيا اجتياح قبرص حماية للأقلية التركية هناك دوي في العالم، وفي أوروبا، غير أنه استمر بغير قيود من العلاقة الخاصة بالولايات المتحدة، الشيء نفسه مارسته الكويت خلال العشرين عاما الماضية في قراراتها الاقتصادية والسياسية بغير تأثير سلبي من وجود قاعدة أميركية فيها، ومن النادر أن يرى الجنود الأميركان في الأماكن العامة بملابس عسكرية، وهو ما كان يحدث في دول عربية تتواجد فيها قوات عربية بكامل ملابس الميدان، يلتقي بهم المواطن في نقاط عسكرية ويعاني من إجراءات تفتيش مزرية ومهينة داخل بلده على يد جندي من بلد شقيق.
لقد عرفنا التواجد الأميركي في الكويت منذ عام 1901 عبر المستشفى الأميركي، كان تواجدا نافعا على مستوى الخدمات العامة، بينما اختص التواجد البريطاني بتحقيق الأمن على المستوى الخارجي، فليس لنا سجل سيئ معهم، وبالتالي فإن التجارب السيئة لدول عربية أخرى مع الاحتلال البريطاني ليست حجة علينا، فلكل حالة أحكامها، وقد عشنا في مرحلة الستينيات جموحا إعلاميا كنا نسقط فيه ما يحدث هناك على الحال عندنا بشكل يأباه المنطق، لا داعي لتكرار تلك الممارسة.
كلمة أخيرة: «أكثر من عشرة آلاف جندي أميركي دخلوا في الدين الإسلامي، معظم الحالات حدثت في منطقة الخليج»، سؤال: من الذي تأثر ثقافيا؟
[email protected]