قال: في هذا الزمان الصاخب المليء بالفتن، أليس من الافضل للمرء الابتعاد عن الصخب والجدل اللانهائي، والاقتراب من الهدوء والسكينة بالعبادة والصحبة المريحة؟
قلت: قيل مثل ذلك للامام احمد بن حنبل، حين زاره في السجن من يريد اقناعه بالاستسلام، قائلا له: لم لا تقبل ما اقبل عليه الناس؟ فقال ابن حنبل: «ان كان هذا هو عقلك فقد استرحت».
ان قبول التحدي من شيم الاقوياء فقط، ولهؤلاء مرتبة خاصة لانهم لم يقبلوا بالانسحاب، وهي مرتبة قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم «من يخالط الناس ويصبر على اذاهم خير ممن لا يخالطهم ولا يصبر على اذاهم».
قال: الا ترى ان جهود التصحيح تذهب سدى؟ فالتيار يسير نحو الاسفل، وانت تتحدث عن الصعود بالهمم الى الاعلى؟
قلت: هذا وهم، وغلط كبير، فالتيار يسير في الاتجاه الصحيح لو احسنت قراءة الواقع، وفي العموم ليس المقياس بكثرة السائرين ولكنه بسلامة اتجاه المسيرة، ولن يضرك ان زاد الناس ام نقصوا، ففي نهاية المطاف (وكلكم آتيه يوم القيامة فردا).
قال: كيف تقول ان الواقع يسير في الاتجاه الصحيح وللفساد اليوم صولة وجولة، سواء في الاخلاق او المعاملات او في السياسة وجميع العلاقات؟
قلت: انت كمن يعيش في مخفر شرطة، فهو لا يرى الا المشاكل، او كطبيب في جراحة الحوادث لا يشاهد الا ضحايا الطرق والجرائم، لا تنحن، ارفع رأسك الى اعلى وسوف ترى حقائق كثيرة، وسائل الاعلام الفضائي التي كنت تظنها حصرا على الفساد والمفسدين إذا باكثرها صار اداة نشر للعلوم الفضيلة، وتأمل في انتشار قيم اجتماعية وصل صداها الى المشرق والمغرب، يتحدثون هناك عن الترابط الاجتماعي ويضربون بكم المثل، وعن الكرامة الحقيقية للمرأة، ويحترمون نظاما اقتصاديا جديدا يقف شامخا اما نظامهم المتصدع، المستقبل واعد بالنجاحات رغم المنغصات.
قال: انت متفاءل اذن.
قلت الامر اشمل من اقناع النفس بحالة تفاؤلية، قال الله عنها (وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا، قالوا معذرة الى ربكم ولعلهم يرجعون).
خلاصة القول يا عزيزي:
حاول ان تتذكر اشخاصا كانوا يستهزئون بمعتقداتك، واليوم يسابقونك عليها، واحمد الله للسابقة واسأله الثبات والقبول.
[email protected]