الجلسة التي يحضرها خمسون نائبا وعدد آخر مثلهم من موظفيهم، و16 وزيرا وأيضا مثلهم من موظفيهم، والأمانة العامة للمجلس، يعني حوالي 200 شخص يتواجدون في القاعة أثناء الاستجواب، كيف يمكن ـ عقلا ـ اعتبارها «سرية» في بلد تتسرب فيه المعلومات من اجتماعات لا يتجاوز عدد حضورها 20 شخصا؟!
بعبارة أخرى، لقد تمت مصادرة حرية النائب في التعبير عن آرائه من خلال جلسات التصفيق والهتافات، والعكس هو الذي حدث في الأسلوب الجديد حيث يمارس النائب واجباته بحسب قناعاته وفق ما يسمعه من أطروحات المستجوب وردود الطرف الآخر فيقتنع أو لا يقتنع، وبهذا نتخلص من مسألة التوقيع على طرح الثقة قبل بداية جلسة الاستجواب، وهي مرحلة ولّت إلى غير رجعة، مرحلة تسببت في مصادرة حق النائب في تكوين رأيه بغير ضغوط من أي نوع.
هذا الأسلوب يجب أن يطبق في المجلس البلدي أيضا وربما أكثر من مجلس الأمة كونه يجمع كما كبيرا من المعاملات التجارية البحتة، ومعظمها يتطلب قلب أنظمة عمرانية وضغطا على الخدمات بشكل جائر، ولا يتحقق ذلك الا بإرباك المسؤولين والضغط عليهم بالأسلوب المعروف، ومن ثم ترك المخطط العمراني تائها في مهب رياح المتنفعين على حساب الصالح العام للمواطنين والوطن.
في هذا الإطار فإن الصحافة تتحمل مسؤولية كبيرة في منح أي قضية تطرح فرصة للرأيين، بغير تحيز، وهو ما تحرص عليه عدد من صحفنا مشكورة، بعيدا عن الكاريكاتير الذي نشرته «الراي» يقول فيه بائع الصحف «كله موجود، عايز الجرنال اللي بيقول الدنيا ربيع وكل حاجة كويسة، ولا الجرنال اللي بيقول الدنيا زفت وكل حاجة مطينة؟».
نعم، على صحفنا أن تساعد الرأي العام في المجتمع وتضع حدا لمحاولة التشويش عليه، وأن تستفيد من المرحلة الجديدة في أسلوب عقد جلسات الاستجواب بغير تلك الإثارة المعروفة، آن الأوان أن نقول لشعوب الخليج «لا تتخوفون، هناك أسلوب جيد لتطبيق الديموقراطية غير الذي اشتهرنا به» نعم، أسلوب تسبب في التشهير بديموقراطيتنا والتنفير منها، والشكر كل الشكر للجهود النيابية الناجحة في تصحيح المسار، وأيضا الشكر للقيادة السياسية في توفيرها الأجواء المناسبة للعبور بالتجربة الديموقراطية من هذه المطبات، والحمد لله ان الطائرة ـ المختطفة ـ قد نجت من الاختطاف، وهي في طريقها للعودة الى مطار الوطن، والهبوط بأمن وسلام بإذن الله.
كلمة أخيرة:
تعتز الكويت بممارسة المختلفين لحقهم في التقاضي، بينما تمارس دول أخرى أسلوبا آخر في إنهاء خلافات الرأي، بعيدا عن ممارسة حق التقاضي الذي كفله الدستور، ولهذا فإن أي اتصال بالخارج للتشويش على هذه الممارسة الراقية يكشف ضعف إيمان بالمنظومة القضائية في البلاد، وهو أمر غير مقبول، وبالذات من دول تصادر أبسط حقوق التقاضي لمواطنينا، على مدى عشر سنوات، وتدعم اضطهاد مليون ونصف المليون في غزة، كيف يمكن أن نتوقع منهم الرأي الحكيم في شيء لا يمارسون فيه أي نوع من الحكمة؟
[email protected]