قال: «أنا معك أن هناك «تعسفا» في الاستجوابات أخرجها عن الغرض الذي وضعت من أجله، وأنا معك في أن «مناسبات» الاستجوابات هي فرصة لتحقيق مكاسب مادية ونفعية للبعض بالإفادة من الضعف الحكومي إبان تلك المناسبات، وأنا معك في أن عقد ندوات قبيل الاستجواب، ودعوة أكبر عدد ممكن للاحتشاد داخل القاعة هو «لفرض» موقف محدد على النائب، وأنا معك أن تكرار هذه الممارسة قد تسبب في «شلل» إداري للدولة أشغلها عن متابعة وتطوير الخدمات الأساسية، ولكن ليس الحل في عقد جلسة سرية للاستجواب».
قلت: «بعد كل هذا الاعتراض الذي ذكرته على الممارسة الحالية تتذمر من حل عملي ظهرت فاعليته، هل لديك حل بديل تطرحه بغير أن تعيدنا إلى المربع واحد؟».
قال: «أنا ضد تفريغ الدستور من محتواه».
قلت: «هذه التعبيرات الجميلة والمكررة تحتاج إلى نظرة فاحصة، أليست المادة 94 التي تقول «جلسات مجلس الأمة علنية، ويجوز عقدها سرية بناء على طلب الحكومة أو الرئيس أو عشرة أعضاء»؟».
قال: «هذا يتطلب في الرئاسة الحيادية».
قلت: «أي حيادية تقصد؟ التي كانت مفقودة في الرئاسة السابقة قبيل الغزو وكانت من مقدماته كما سيثبت التأريخ الوثائقي – وهو قادم لا محالة - أم الحيادية التي يقبلها الأعضاء في الرئاسة الحالية حينما أعادوا الرئيس بالتزكية مرتين؟ لماذا لا تسمى الأمور بأسمائها؟ أليست هذه مناقشة مصيرية حول ممارسة دفعنا ثمنها غاليا جدا، والسبب هو تلك المجاملات الباهظة الثمن؟».
قال: «بمناسبة الثمن، ما الثمن الذي يحصل عليه من يدعم الموقف الرسمي؟».
قلت: «هل تقبل بشهادة الزور مع هذا الطرف أم ذاك؟ إن من يحصل على ثمن، وبحجم ذلك الثمن يشهد، سيتحمل وزرا ثقيلا لا قبل له به في الدنيا والآخرة».
قال: «ماذا تسمي ما يحققه البعض من وراء تلك المواقف؟».
قلت: «(كل امرئ بما كسب رهين).. ولكنك سترى بعينك تأثير الأسلوب الجديد في خفض فرص الابتزاز وهي الآن مفتوحة على مصراعيها مع الأسف، هل تريدنا أن نستمر هكذا أم نتخلص من هذا الوضع المزري؟» انتهى.
المحاورة في أمر كهذا يجب أن توصلنا الى حل، فالتعسف في استخدام أداة الاستجواب تتم معالجته الآن من داخل النص الدستوري وعلى يد الآلة البرلمانية، وهذا تطور لم يكن يحدث في السابق بأسلوب البطولات الشخصانية البحتة التي تقوم على المراهنة بطريقة «حافة الهاوية»، حتى سقط الوطن بأكمله في «هاوية» الاحتلال.
نعم، لا محل للقول بأن الدستور ضد عقد الجلسة السرية، العكس هو الصحيح كما هو موضح في المادة 94، ومن يعتبر ذلك توسعا في المباح فعليه أن يربط ذلك بتوسع البعض أيضا في المباح - في الاتجاهين – والعلة تنقضي بانقضاء السبب، نحن بحاجة إلى تجرد في تفسير النصوص من المواقف المسبقة من جانب المتخصصين، حتى نطمئن إلى تفسيراتهم، وما أكثرها.
كلمة أخيرة: تقول المادة 29 من الدستور «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة»، وتقول المادة 31 «لا يجوز القبض على إنسان أو حبسه أو تفتيشه أو تحديد إقامته أو تقييد حريته إلا وفق أحكام القانون» والمادة 34: «المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ويحظر إيذاء المتهم جسمانيا أو معنويا».
هذه الضمانات الدستورية تمنح المختلفين في أي شأن «حق التقاضي»، فهل يريد البعض تعطيل هذا الحق؟ نحن معه فقط في حالة التعسف الذي نهت عنه تلك النصوص، ولسنا مع هذا البعض إذا طلب تجاوز وتعطيل تلك النصوص، حيث يؤدي التعطيل إلى حرمان المواطن من الحصول على حقه في الإنصاف تجاه من يؤذيه في سمعته وكرامته، وعندئذ لا يكون المواطنون سواسية في الكرامة الإنسانية.
[email protected]