فيصل الزامل
الظهور الزائد للإداريين على حساب اللاعبين في الرياضة من علامات الفشل، حيث يطغى الكلام عنهم وعن إنجازاتهم، وإذا استخدمنا مثال المخرج السينمائي الذي لا يراه المشاهدون، بينما هو المحرك والمنظم والملقن، والسر الحقيقي لنجاح الفيلم السينمائي، فلا يكاد أحد يعرف ذلك المخرج، في حين يتقدم العمل ويستمتع به المشاهد. في الغرب يسمون المخرج «المدير» وربما وصفناه نحن بأنه العقل «المدبر».
شيء كهذا تراه في برامج الطبيعة، وعالم الحيوان، فلا يكاد أحد يظهر إلى جانب صور النمور والأسود في مطارداتها، أو الطيور في هجراتها، فيستمتع الناس بالعمل، أكثر من غيره.
الهدف من هذه المقدمة هو الإشارة إلى أسلوب إدارة الدولة، حيث تطغى صور النواب والوزراء، وبقدر ما تكثر الأضواء على هؤلاء، فإن الأعمال والإنجازات تكون في الغالب هي الضحية، وقد تعرفت على قيادات رائعة لمؤسسات ناجحة حيث يقول لي القائد غير المعروف: «إنني أشعر بالسعادة أن ينسب النجاح إلى اسم المؤسسة ـ وهي خيرية ـ والناس الكرام الذين يقفون وراء إنجازاتها ويشرحون أعمالها للآخرين، أما المدير فإنهم ليسوا بحاجة إلى معرفته، إنهم يريدون العمل، وأنا أستمتع برؤيته ينمو، وانه لا ينسب لي ولا لزملائي في الإدارة»... انتهى.
هذا الوضع ـ مع الأسف ـ هو الاستثناء، فالأساس هو أن يدور الكلام حول «ماذا قال فلان الوزير، وفلان النائب، وصورهم وهم يشربون الماء، ويتمددون في استرخاء ـ يتمغطون ـ في حين تتراجع المنجزات يوما بعد يوم».
كان الإمام الشافعي يقول «وددت أن هذا العلم يؤخذ عني، وأني بواد لا يعرفني فيه أحد»... وقال القائد نورالدين محمود زنكي، الذي سبقت مرحلته ظهور صلاح الدين، وكان هو المؤسس الحقيقي لما فعله صلاح الدين «البطل» قال نور الدين: «اللهم انصر المسلمين، ولا تنصر نورالدين»... فاستجاب الله دعاءه، فلا يعرف الناس إلا صلاح الدين وأما نورالدين فقد انطفأ ذكره في الدنيا، فصار ذخرا له في الآخرة، إنجازا عظيما وإخلاصا باهرا، إن شاء الله.
انظر إلى الدول الناجحة، حيث تكون الدولة والأعمال في المقدمة «فنلندا» أو «سنغافورة»، قارنها مع «كوريا الشمالية» حيث الشخص ليس معروفا فقط، بل معبودا، ودولته تحت خط الفقر، وأما الناجحون فلا يكاد أحد يعرف قادتهم إلا في الحدود الرسمية، بل وربما أزاحتهم بلادهم، رغم إنجازاتهم كما حدث مع تشرشل وديغول. في حين أن العرب يتحكم فيهم المزاج السياسي ويستحقون بجدارة الانضمام إلى نادي «كيم ايل سونغ»!