تغيرت نظرة صناديق التنمية العالمية نحو وظيفتها التنموية على مدى السنوات الخمسين الماضية، بدءا من البنك الدولي الذي عدل سياساته منذ ستينات القرن الماضي واعتبر القطاع الخاص شريكا له في عملية التنمية وليس منافسا كما يتصور البعض، لهذا فلم تأت الكويت بجديد بطرحها تطوير دور الصندوق الكويتي للتنمية ليكون «مجموعة» نشطة تضم كيانات متخصصة - على نحو ما يجري في الصناديق المماثلة – وعند إلقاء نظرة على مجموعة البنك الدولي على سبيل المثال نجدها تضم:
- الإدارة الرئيسية للبنك «البنك الدولي للإنشاء والتعمير» ibrd (لمتابعة الأنشطة التي سار عليها العمل تجاه الدول النامية).
- مؤسسة التنمية الدولية ida للدول الأقل نموا بشروط تفضيلية.
- مؤسسة التمويل الدولي ifc للتعامل مع القطاع الخاص.
- هيئة ضمان الاستثمار متعددة الأطراف miga لتوفير ضمانات للمستثمرين والممولين ضد مخاطر التأميم والمصادرة.. الخ.
- المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار icsid.
وقد أدى قيام هذه المؤسسات إلى مساندة ودعم القطاع الخاص وليس منافسته، وكثيرا ما فتحت له الدرب في ظل ازدياد المعوقات البيروقراطية، وإذا كان الغرب يوظف هذه الآلية لتشجيع شركاته وتعزيز صادراته فهو يبحث عن مصالحه، وعلينا نحن أن نبحث عن مصلحتنا عبر كيانات جديدة، مع استمرار الإدارة الأساسية للصندوق في القيام بالأنشطة التي تأسس من أجلها، كما هو الحال مع ibrd.
لابد من فتح الأذهان على المتغيرات وتقبل الأفكار الجديدة بالنظر الى أن المرحلة القادمة تقوم أساسا على «تمويل المشروعات» project finance وهو نشاط يملك فيه الصندوق الكويتي للتنمية خبرات ثمينة وطويلة غير متوافرة لدى القطاع الخاص الذي درج على التمويل والاستثمار في مجالات كثيرة ليست «المشروعات» في مقدمتها، ما يجعل قيام أحد الكيانات التابعة للصندوق الكويتي بدور «الشريك المرشد والمحفز» مؤثرا في تحفيز مشاريع التنمية بحصة 20% مثلا، ما يحقق ترسيخ أقدام المستثمرين لعبور المرحلة الضبابية عند بداية أي مشروع، في وقت تشهد فيه البنوك المحلية مخزونا ماليا غير مسبوق وصل إلى نصف تريليون دولار، هذه الأموال بحاجة إلى مثل هذه المبادرة لإعادة توجيهها في المسار الصحيح قبل أن تختطفها الاتجاهات المضاربية، كما حدث أكثر من مرة في تاريخنا الاقتصادي، وأهم من ذلك هو توليد وظائف بعشرات الألوف للخريجين ونقل بند المرتبات - الذي يمثل ثلاثة أرباع إيرادات الدولة الآن - أو نسبة منه إلى كاهل القطاع الخاص.
لقد قرأت لمن صور قيام الصندوق الكويتي بهذا الدور أنه سيكون بمنأى عن رقابة البنك المركزي وأن قيامه بأعمال مصرفية سيكون بعيدا عن الرقابة.. الخ، ومن يعرف تجارب المؤسسات الشبيهة المشار إليها آنفا يدرك أنها لا تقوم بأي عمل مصرفي منافس للبنوك، وحتى أعمال التمويل والاستثمار تخضع للرقابة المسبقة للمركزي، وقد حرصت على ذكر تجارب قائمة لتقليل الفجوة بين الصورة العمومية والواقع العملي.
كلمة أخيرة: لابد من توجيه الشكر لمبادرة نواب في مجلس الأمة إلى تحقيق هذه الشراكة بين العمل التنموي والقطاع الخاص، وتأتي هذه المبادرة في ظل فشل ذريع للمحاولات السابقة وإحجام تام من قبل القطاع الخاص سواء عن مشاريع b.o.t أو حتى الإفادة من قانون الاستقرار بالنسبة للقطاع المالي، في حين تحقق مشاركة كيان جديد ضمن «مجموعة الصندوق الكويتي للتنمية» ضخ قدر كبير من الثقة في خطوات تنفيذ خطة التنمية، وهو العنصر الأكثر إلحاحا للمرحلة القادمة.
[email protected]