بدأت المساجلة بين عدد من النواب في جلستي الأربعاء والخميس حول ممارسات فيها تنفيع غير مشروع لنائبين، وبسرعة تحولت الى «ردح» أبعد النقاش عن تلك الممارسات وحرص النائب المعني بها على إقحام قبائل، بدو، حضر، حتى ينسى الناس أصل الموضوع، وينشغلوا بعضهم ببعض، ثم ينسل هو مبتعدا بالغنيمة.
ما علينا، هذا الأسلوب تكرر منذ التحرير لابعاد الشبهات عمن تسبب في ضياع الوطن والتشريد «الشعبي» للمواطنين في أقطار المعمورة، خلط الأوراق أسلوب ناجح (.....) لابعاد الأنظار عن أصل الموضوع، حيث يتحول الأمر من محاسبة المقصر الى طلب رضاه.
من جانب آخر، فإن الكويت قد تشكلت من تجمع مهاجرين من مختلف الأقطار المحيطة بها، وحققت لها هذه التشكيلة تنوعا رائعا في المهارات الإنسانية، لهذا تسمع في دول المنطقة ثناء على الإبداع الكويتي وما هو إلا ثمرة لهذا التنوع، وقد أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه الى ثمرة التزاوج بين العرب وأهل فارس قائلا: «انظر الى دهاء العربي ومكر الأعجمي اذا التقيا، أي شيء يكون منهما؟» فقد أنجبت الأمة من هذا الالتقاء ـ سواء الثقافي أو الاجتماعي ـ قيادات عظيمة في شؤون العلم والقيادة وسائر الفنون، ونحن في الكويت نفخر بهذا التنوع، ومن ينظر إليه من زاوية التخندق الفئوي، أو يوظفه للتعمية على ممارسات «نفعية» غير سليمة فقد ظلم نفسه ومجتمعه.
ثم، فيما يتعلق بتصنيف الناس الى أصيل وغير أصيل، فقد رفعت الى الفاروق عمر شكوى بحق عمرو بن معدي كرب الذي استخدم عبارات يتباهى فيها وينتقص الناس فأرسل اليه خطابا جاء فيه «..وقد بلغني أن لديك سيفا تسميه الصمصامة، ألا إن عندي سيفا يصم بأمر الله، ولئن رجعت الى مقالتك لأضعنه على عاتقك حتى يصدر رئتك».
لقد شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة ألف صحابي، ومن المشهود في دنيانا أن الرجل الذي ينجب أبناء وأحفادا فإنه قد يرى له ثمانون بين ابن وحفيد وابن حفيد قبل موته، فإذا حدث هذا لرجل واحد فإن «المعادلة الحسابية» تقول ان المائة ألف صحابي الذين شهدوا حجة الوداع هم أجداد كل العرب بلا استثناء على مدى 1430 سنة ـ المتوالية الحسابية تثبت ذلك بكل سهولة ـ وليست تسمية الشعوب الإسلامية لعرب الجزيرة «أحفاد الصحابة» إلا تأكيدا لهذا الرأي الحسابي، هذا ليس قولا مجازيا بل رقم حسابي يجعل كلا منا متصلا في نسبه بأحد من هؤلاء الصحابة، ومن العبث محاولة تغيير هذه «الحقيقة» عبر أوهام ومنابزة فاشلة «عقلا» ولا يغير من هذه الحقيقة عدم وجود أوراق تثبتها فليس في صحراء الجزيرة سجلات مكتوبة توثق نسب هذه الألوف والملايين من أبناء القبائل والمدن على مر العصور، ومنطق الحساب أكثر دقة من تلك الادعاءات الخالية من كل شيء سوى عقدة النقص.
ليس وراء هذه المناقشة إلا الحرص على تقديم العقل الراسخ على التنابز الفارغ، ثم إن لكل أحد من الناس ممارساته التي ترفعه أو تخفضه بعيدا عن قيمة تلك الحقيقة التاريخية، مصداقا للحديث الشريف «من أبطأ به عمله، لم يسرع به نسبه» وقد قال صلى الله عليه وسلم «الكبر بطر الحق، وغمط الناس» وفي الحديث القدسي «الكبرياء ردائي، فمن نازعني ردائي أدخلته النار ولا أبالي».
كلمة أخيرة:
أوقف رجل أميركي أبيض سيارته قرب حانة الخمر في حي مليء بالأميركان السود الذين تجمهر عدد منهم خارج الحانة، ودفع رجلا أميركيا أبيض كان معه خارجها، وكان ثملا لا يدري شيئا عن نفسه من السكر، نزل وهو يترنح، كان يرتدي «شيرت» كتبت عليه عبارات تسيء الى السود وتصفهم بالزنوج، بالطبع كان هذا كافيا لاتجاه عدد منهم إليه وفي أيديهم السكاكين والعصي، فتحرك من بينهم رجل مسن أسود ووقف بينهم وبينه وهو يقول: «أنتم مجانين؟ الذي أنزله يريدكم أن تقتلوه نيابة عنه، ألبسه هذا الشيرت وهو سكران ليجعلكم تنفذون غرضه، هل تقعون في حيلته؟ هل أنتم أغبياء؟!». أنقذ هذا المسن ذلك الرجل، وفي الحقيقة أنقذ مواطنيه كلهم من فتنة وجريمة كان مقترفها يحتاج الى من ينفذها عنه بالوكالة!
[email protected]