كثيرا ما نقرأ في سجلات المخافر التي تتحفنا بها بعض الصحف «... وتم تسجيل قضية تغيب فتاة».. وأحيانا يتم التفصيل في الخبر «وتم العثور على الفتاة في شقة برفقة شاب»، وفي أحيان أخرى تتحول المسألة الى «وأبلغت الفتاة المحقق بأن الشخص الذي واعدها قد أخذها الى مزرعة وتناوب عليها أصدقاؤه».. وقصص كثيرة لا تقصر تلك الصحف في نقلها من سجلات المخافر لاطلاع الناس عليها، وقد تطور موضوع التغيب ليصل الى ترك الأسرة أثناء قضاء إجازتها في الخارج، ما أدى الى تحول الأمر الى خبر مثير استهوى الصحف جميعا، حيث تم تعميم أوصافها كونها تحت السن القانونية في تلك البلاد ويمكن مساءلة الطرف الآخر عن العلاقة معها.
صحيح هذه حوادث فردية، ولكنها في تزايد وليست في تناقص أو محدودية، وإذا كان من مهام ادارة التربية الأسرية في وزارة الشؤون تقييم ودراسة أسباب هذه الحالات، فيمكننا محاولة مساعدتها بما يلي:
1 - تعيش بعض الأسر في حالة شبه انفصال ذهني مع أبنائها، لا تعايش متغيراتهم النفسية من الطفولة الى سن المراهقة ثم الشباب الجامح وما يعانيه من هزات سلوكية مع تغير الجانب الجسماني والوجداني والسلوكي، لكل عمر على حدة.
2 - يعتقد كثير من الآباء أن توفير العيش الكريم لأسرته هو في الجانب المادي من مسكن ومأكل وملبس، ويغفل عن أهمية مرافقة الابن أو الابنة، يترك هذه المهمة تماما للأم، هي المسؤولة وحدها، في حين أنه في سن معينة تزداد حاجة الأبناء الى الأب من الناحية النفسية، وكثيرا ما كان أساس علاقة الفتاة بصديق هو تعويض البرود العاطفي - وليس الجنسي - الذي تعاني منه منذ نشأتها في بيت يمر فيه الأب كالشبح، يدخل، يأكل، ينام، يخرج، بيوت فندقية.
3 - في مثل هذه الأجواء يسهل على شباب منحرف اختراق هذه البيوت، وقد سهل «الانترنت» المهمة لهم، فمهما تباعدت المسافات بين الفتاة والشاب، حتى إن كان في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، فإن بإمكانها أن تتعرف عليه، وأن تقع في شباكه بسهولة، وبالذات في سن المراهقة.
4 - يزداد الأمر تعقيدا في بعض المدارس التي توفر أجواء تحول التغريب الى هدف وأمنية، ولا تخبر تلك المدارس الفتى ولا الفتاة بأن للغرب محاسن ومساوئ، مثلما للشرق محاسنه ومساوئه، و«العاقل» هو من يأخذ أفضل ما عند الاثنين.
5 - عدم تقديم التربية الدينية بالشكل السليم «قم صلِّ»...... «قومي صلي» الجواب «حاضر يبه، حاضر يمه».. وقد لا يتجاوز الأمر هذه الكلمات الى التطبيق، الموضوع يحتاج الى رفقة، قدوة، تربية بالموقف والحدث، لا بالقول والحث فقط، فقد يكون الأب مع ابنه جالسين في سيارة ينتظران وجبة من مطعم، ويشاهدان أطفالا يدخنون، ويكون هذا موضوع حوار فرضه لقاء عابر، وربما تكون الأم مع ابنتها في السوق فتشاهد فتاة تتحدث مع شاب من وراء أسرتها، فتنفتح فرصة لحوار بنّاء، انها التربية بالحدث والموقف، لا بالأوامر الخالية من الروح، فإن «ابراء ذمة بغير انجاز المهمة... لا يبرئ الذمة».
أيتها البيوت انتبهي، أيها المربون في المدارس تيقظوا، فقد سلمتكم الأسر أغلى ما عندها، وأشركتكم في شيء قد تنجحون فيه أكثر من الأسرة نفسها، ففي عمر معين لا تؤثر الأسرة مثلما يؤثر المجتمع المحيط بها، و«المدرسة» هي أقوى مكوناته.
كلمة أخيرة:
نأمل من الصحافة التي يستفيد بعضها من سجلات المخافر، في التسويق، أن تمارس دورا في التوعية، مثلما تفعل بعضها ـ مشكورة ـ في التوعية الصحية، والقانونية، وغيرها، عبر صفحات متخصصة وكتّاب مميزيـن، مع أطيب التمنيات بالسلامة والعافية للجميع.
[email protected]