قصة د.فخري شهاب مع الوصي على عرش العراق عبد الإله التي حدثت عام 1941 شيقة، وقد ضمنها ملاحظة مهمة عن تأثير فشل السياسيين هناك فيما آلت اليه أمور العراق بعدئذ، جميع السياسيين، حيث قال: «وانني أحمل العهد الملكي تبعات الفوضى التي سادت العراق، ولاتزال، وجهل رجالاته ـ الساسة ـ وتخبطهم وقصر نظر وسائل الإعلام فيه، وفشل الحكم في التواصل مع الشعب وإقناعه بوجهة نظره، ومهازل الحياة البرلمانية واضطهاد المعارضة وفشل السياسة الاقتصادية وما نجم عن ذلك من بطالة أفرز مناخا سياسيا مليئا بالتذمر، كل ذلك أفرز رغبة عارمة في التخلص من نظام الحكم في تلك الفترة، وهذه الأخطاء ما فتئت تتكرر في كثير من الدول العربية، ومن الواجب أن ينتبه الجيل الذي يخلف الأرض اليوم لما كان يجري قبل أكثر من نصف قرن من الأخطاء، فلا يكررها» انتهى.
المتأمل في هذه الكلمات يعرف أننا بحاجة اليها هنا أيضا في الكويت، فهي نصيحة للحاكم والمحكوم في آن واحد، فقد ثبت أن اندفاعة الشباب لمواجهة تلك الأخطاء ليست هي الحل، إذ ان من يتولى سدة الحكم لابد أن يخطئ، مهما تعاقبت الأسماء، الأمر الذي يستلزم الكثير من الانضباط والصبر، والسعي الحثيث، فلا يوجد هنا طريق مختصر يقلب الأمور رأسا على عقب عبر إصدار «بلاغ رقم -1».
لابد من تطوير ثقافة جديدة في كيفية إحداث التغيير بأقل تكلفة، فما نعيشه في الكويت من شلل وتباطؤ في العملية التنموية هو تكلفة زائدة عن الحد يحملنا إياها من يظن أنها الوسيلة الوحيدة لتحقيق التغيير، من خلال نشر السخط وبعثرة التذمر في كل منتدى، هناك طريق آخر يحتاج الى عمل مكثف وتجرد من الأنانية والافتتان بالذات، مثلما افتتن هتلر بصوته المميز، إذ كانت لديه بحة نادرة ـ فاعتلى المنابر، وأذاق شعبه الويلات، بسبب تلك الفتنة، هناك من يفتتن بالكتابة وآخر بالجاذبية الشخصية وثالث بالمال الوفير ورابع وخامس و..، هؤلاء هم الذين يبدلون الأوضاع الى الأسوأ، ويتركون الناس يترحمون على السوء السابق، اذا انتقلوا الى ما هو أسوأ من السوء ورحم الله القائل «لا يكن نهيك عن منكر، يأتي بأنكر منه».
كلمة أخيرة: كتب د.فخري شهاب «انتشرت في بداية الأربعينيات مطالبة بتعديل الدستور وإدخال مادة تجيز للملك، والوصي إقالة الوزارة، فكتبت مقالة وكنت تلميذا في السنة الثانية بكلية الحقوق مدفوعا بحب الظهور لا شك أدعو فيها الى ترك الدستور على حاله على اعتبار أن من له حق التعيين له حق الإقالة، نشرت المقالة وصدر أمر باعتقالي، وقام صديق بترتيب لقاء مع الوصي أوضحت له المقصود بأن الحق الضمني موجود ولا يتطلب التعديل، فأمر بإلغاء بلاغ القبض علي».
حب الظهور لايزال هو الدافع وراء الكثير من المواجهات التي لو تم استبدالها بلقاء دوري (face the nation) مع الصحافة، مع رئيس الحكومة لتم اختصار جزء من أسباب تلك المواجهات، وليس كلها!
[email protected]