فيصل الزامل
نشرت الزميلة «القبس »تحت عنوان «هل لديكم آذان تسمع.. وقلوب تحس؟» نبذة عن احوال اهالي المسجونين، وشيئا من اوضاع السجن المركزي الذي يمكن تغيير اسمه الى «المعاهد التطبيقية في عالم الجريمة» يدخل اليه المحكومون بجريمة واحدة، فلا يلبثون ان يتعلموا انواعا جديدة من الجرائم، ولا يتطلب الامر خروجهم من السجن لممارسة ما تعلموه، حيث يمثل السجن المركزي اكبر مركز تجاري لتداول المخدرات في طول وعرض الكويت، ومن خلال اتصالاتهم بهواتف مهربة يبيعون ويشترون في سائر المحافظات والمناطق السكنية، وعندما داهمت ادارة السجن العنابر وصادرت الهواتف، ارتفع سعر الغرام في السوق - خارج السجن - من 10 دنانير الى 95 دينارا، ثم الى 115 دينارا الى ان عادت المياه «الآسنة» الى مجاريها، فانخفضت الاسعار!
لقد ادى تجميع اهل المخدرات في عنابر واحدة الى تسهيل الحركة والتداول، وصارت الكويت مركزا تجاريا - كما هو معلن - للافغان والباكستانيين والايرانيين والكويتيين، من متداولي الـ.. حشيش!
اللوم لا يقع على ادارة السجن، ولا حتى على وزارة الداخلية، فهم يعملون في ظل قوانين وانظمة، وربما نجحت جهودهم في تخفيف الآثار الجانبية عبر جهود مشكورة لادارة المؤسسات الاصلاحية، او السجن المركزي.
لقد نجحت هذه الادارة في ايجاد حوافز للسجناء الراغبين في اصلاح انفسهم، عبر برنامج يمتد لعدة سنوات يكون فيه هؤلاء تحت الملاحظة الدقيقة، باشراف اخصائيين، ومرشدين اجتماعيين، ومن وزارة الاوقاف، وقد تم تفعيل نشاط حفظ القران ليشمل مع الحفظ ثقافة دينية واجتماعية.
سألت المشرف على هذا البرنامج، الاخ الفاضل محمد الدوسري، فطلب ان اسمع الاجابة من الذين عاشوا التجربة وأُطلق سراحهم، عرفني عليهم ولبث قليلا ثم انصرف ليتحدث هؤلاء بحرية. فاجأتني درجة المهارة لديهم في عرض معاناة السجن وكيفية التعامل مع اوضاعه من خلال القوة الايمانية التي تولدت لديهم عبر برنامج القرآن الذي دفعهم الى الاصرار على تحقيق التغيير الشامل في السلوك وفي اسلوب التفكير والتعبير، ما جعلني اتساءل: «هل هؤلاء فعلا كانوا في السجن ام في دورة تدريبية؟».
ولماذا نجحت هذه الطريقة بينما اخفقت الطريقة التقليدية بجمع وتكديس 17 شخصا في غرفة مخصصة اصلا لسبعة اشخاص، يسمونها «السباعية»؟ ولا يمكن تصور كيفية النوم واحتكاك الاجساد، وانتقال الامراض السلوكية قبل الصحية بينهم!
اذن، نحن امام نجاح يحتاج الى الرعاية، وهو نتاج تعاون وثيق بين ادارة السجن ووزارة الداخلية من جهة واطراف في المجتمع، من جهة اخرى، تتكاتف مع رجال الامن في مواجهة طوفان من الاعداد الوافدة الى السجن بمعدل 3 مساجين جدد يوميا، ما جعل المبنى المخصص لـ 600 سجين يضم الآن في جنباته 3300 سجين!
يقدم «برنامج حفظ القرآن» حوافز اضافية لمن يحقق تقدما في السلوك، مثل ثلاجة صغيرة في الزنزانة - من متبرعين - وهي تحمل معنى يتجاوز التبريد الى التميز عن بقية السجناء، ومع مرور الوقت تحول عنبر 6 الى مقصد يسعى السجناء للانتقال اليه، وهم يعلمون ان السلوك الكريم هو بوابة الانتقال اليه، وهذا السلوك هو افضل طريق لاختصار مدة السجن.. وغدا نكمل.