فيصل الزامل
في عام 2001 سمع ياسر عرفات بتأسيس صندوق عربي لدعم الانتفاضة والأقصى بمليار دولار، معظم موارده من دول الخليج، واستطاع ان يصل الى تلك الأموال المخصصة للأيتام والشهداء الذين قتلتهم اسرائيل، وان يحولها الى «مال سياسي» اشترى به ولاء عشرات الألوف، عبر انشاء كيانات مصطنعة، مثل 22 وزيرا في سلطة على بلد صغير، يتبع كل وزير أكثر من ألف موظف موال لمنظمة فتح، وقد تم صرف مبلغ 480 مليون دولار من صندوق الشهداء والأيتام والأرامل، كرواتب لتعزيز الولاء لسلطة مشبوهة.
مع مرور الوقت صار الحديث عن اقتسام أموال الصندوق علنيا، وكان ملف الفساد المالي هو الأساس لتصويت الشارع الفلسطيني لحركة حماس، ربما ليس حبا فيها من جانب كثيرين، بقدر ما هو الحنق والغضب للفساد المالي العلني.
لاحظ انك عندما تتحدث عن «السلطة» وتعزيز الدولة، فإنك تتحدث عن فصائل وليس عن سلطة تجمعها مؤسسة، وهذه الفصائل (العربية لتحرير فلسطين - الشعبية - فتح - حماس - الجهاد.. الخ) تمنح كل منها الأولوية لكوادرها، وحتى داخل كل فصيل هناك محاور تستحوذ على أكبر قدر من المنافع المادية تحت مسميات صورية (الأمن الوقائي - الأمن الوطني - الشرطة العسكرية - المرور - المخابرات..الخ).
لقد قدمت الكويت نموذجا رائعا عام 1962 عندما أسست الصندوق الكويتي للتنمية، فاستبدلت المساعدات النقدية للدول بأخرى عينية، وكان انشاء المستشفيات والطرق والموانئ والمطارات والمدارس، وسيلة نافعة لدعم الشعوب والسلطة، في آن واحد، فالشعوب ستَنسب هذه المشاريع الى نجاح السلطة، ولكن بغير تقديم أموال نقدية تتسرب في شقوق الفساد، ومع الأسف لم تتمكن الكويت من تكرار هذا النموذج في فلسطين، رغم مساهمتها الكبيرة في الصندوق، فالضغوط التي حركها عرفات كانت أكبر من قدرة الكويت أو غيرها ممن كانوا يعلمون أين سيستقر المال السياسي!
اليوم أعلنت الحكومة التي شكلها عباس بصراحة «... نطمئنكم بأن الرواتب ستصل، وستصرف فورا».. على خلفية إعلان الدعم الدولي لهذه الحكومة، فالعين ليست على الشهداء ولا الأرامل، ولا على الأيتام ولكن على شراء الولاء السياسي، أكثر من ذلك، أدركت حركة فتح ان هؤلاء الأيتام والمساكين سيتجهون الى الجمعيات الخيرية، لهذا كانت مقرات تلك الجمعيات في «نابلس ورام الله» أهدافا عسكرية، تم تدميرها في الأسبوع الماضي، رغم انها كانت تشبع بطونا خاوية لا تصل الى «الرواتب»!
ليس الموضوع «فتح أو حماس»، ولكنه المخطط الاسرائيلي الذي نجح في اختراق كل الفصائل، بما فيها الإسلامية، عبر اطلاق صواريخ لإفشال «حكومة الوفاق الوطني» واختطاف مراسل محطة «بي. بي. سي» لاظهار ضعف تلك الحكومة، وها هي فتح تكمل المخطط، بالسلاح الاقتصادي، الذي أسهــــمت في تغذيته الدول العربية، ونحن - مجـبرين - معها. أزمة الايتام والشهداء ستتفاقم، ولا نقول الا حسبنا الله على من قتل آباءهم، وجوّع أمهاتهم وأيتامهم.
حسبنا الله ونعم الوكيل.