العجيب في كثرة الداخلين إلى الدين الإسلامي من الغربيين هو هذا التقصير الكبير من المسلمين في مساعدتهم أو قل دعوتهم لهذا الدين، فالأفضلية لدى المسلمين هي للشعوب الأخرى الأقرب لهم جغرافيا، وربما تاريخيا، بل تجاوز الأمر ـ من جانبنا ـ التقصير إلى تقديم نماذج منفرة فيما نراه من ممارسات في البلاد الإسلامية إلا ان الغربيين نجحوا في وضع هذه الممارسات في المربع الصحيح وهو «هذه ثقافات تلك الشعوب وعاداتها، وليست هي تعاليم الإسلام الذي هو دين عالمي ولا يخص شعبا محددا»، هذه الصورة الذهنية للوضع تعذرت رؤيتها على مثقفين عرب كثر، بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك حينما اعتبر دخول غربيين مثقفين في الدين الإسلامي «ليس انجازا» ما لم تبدأ الشعوب الإسلامية في تصحيح أوضاعها الثقافية ومسألة التسامح والتشدد، وهو جدال طويل الأمد، كالقضية الفلسطينية التي استخدمها صدام حسين عام 1990 بقوله «لا يمكن الانسحاب من الكويت إلا بعد انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967» هذا الربط يهدف إلى تشتيت النقاش وإبعاده عن الموضوع المطروح «الآن» وهو أسلوب مفضل لدى بعض العرب.
نعم، نحن مسرورون لكثرة الداخلين في الدين الإسلامي من الغربيين لسبب يتعلق بأولئك الذين افتتحوا الهجوم على الفكر الإسلامي من بوابة «التقدمية الغربية»، هذا التقدم لدى الغرب قد حقق بلا شك انجازات حضارية ولكنه عجز عن الدفاع عنها فيما يجري هناك من تفكك اجتماعي وخواء روحي وهما عنصران رئيسيان لا يمكن لأي حضارة بالغة ما بلغت أن تصمد وأن تستمر بغيرهما، ولا يمكن لوم الفرد الغربي لقلقه من حضارة يقول عنها احدهم باستخفاف مخيف «نعم هناك جنة وهناك نار، أنا على يقين بأنني من أهل النار، فقط أتمنى أن أجد خدمة تقديم البيرة هناك» هذه النظرة المستسلمة للهلاك لا تعجب كثيرا من الغربيين الذين يقرأون ويبحثون عن شيء أفضل من الطعام والشراب والمتع البدنية المؤقتة التي يتجه بعدها المرء إلى الهلاك الأبدي بشكل مباشر وغبي.
من جانب آخر هناك شعور مبالغ فيه بالعداء للغرب ـ في أوساط الشارع الإسلامي ـ على خلفية الموضوع السياسي المعروف في القضية الفلسطينية، إلا أن هذا أيضا هو من الخلط غير المستساغ فالشعوب الغربية ليست هي العدو حتى وان كانت الحكومات التي تمارس تلك السياسات هي من نتاج نظامها الانتخابي ولن أتحدث عما يجب فعله لتوعية تلك الشعوب ولا عن الدور الإعلامي المطلوب منا، بل لن اخرج من موضوعي الأصلي، فهذا الدخول المتزايد في الدين الإسلامي بين أوساط الغربيين لابد أن يفتح الأذهان ـ هناك ـ نحو الوضع الحقيقي في مسألة فلسطين، لا أقول ذلك طلبا لتوظيف الدعوة إلى هذا الدين بشكل سياسي، بقدر ما أن المواطن الغربي يعيش رؤية أحادية تعتمد على تصوير الإسلام بصورة خاطئة ومن ورائها تمت استباحة كل شيء يتعلق بالشعوب الإسلامية، فإذا تم تصحيح تلك الصورة تفتحت الأذهان لرؤية أكثر صفاء وتحديدا لما يجري في منطقتنا، لم لا نكون مسرورين عندما نحقق ما عجزت الآلة الإعلامية لجميع الدول العربية والإسلامية عن تحقيقه؟!
كلمة أخيرة:
يرحم الله الفاضلة الشيخة بدرية سعود الصباح، كانت سيدة قائدة في الحدود التي أتيحت لها منذ الخمسينيات، وذات رأي ثاقب في المسائل العامة رغم قلة ظهورها الإعلامي، وامرأة برزة ـ أصل اسم بزة عربيا هو: برزة ـ في مناقشاتها التي تعتمد فيها على اطلاع واسع وذاكرة حاضرة لم يضعفها مرور الزمن، اسأل الله لها المغفرة والرضوان وفسيح الجنان ولأسرتها الكريمة الصبر والاحتساب.
وكذلك العزاء الخالص لأسرة المرحوم أ. عبد الباقي النوري، الذي تأثرت بمبادراته نهضة الكويت، مؤسسا للكلية الصناعية التي قامت على إثرها هيئة التعليم التطبيقي، ولشركة الصناعات البتروكيماوية وغيرها، أسأل الله له الرحمة والغفران.
[email protected]