فيصل الزامل
حديثنا اليوم عما حدث في طهران تجاه البعثة الديبلوماسية قد تجاوزه الحدث - نأمل - بالنظر الى جهود المعالجة، ولذا فإننا بحاجة الى وقفة مع مسألة تعدد مراكز القرار داخل الدولة، وهي ملحوظة في طهران بشكل بارز، ولكنها موجودة في أكثر من دولة، على تفاوت في الدرجات.
انها اذا كانت بارزة في الشأن السياسي هناك، فهي بارزة في الكويت في القرار الاقتصادي، حيث يكاد قطار التنمية ان يتوقف تماما، فالقوم مشغولون، وكل مشروع اقتصادي يحتاج الى حفلة سياسية.
تعدد مراكز القرار في حالات كثيرة يكون خطرا، فلنأخذ من التاريخ حادثة معركة «السبلة» بين الملك عبدالعزيز - الدولة - وقيادات حشدت بعض القبائل على حدود الدولة مع العراق وكررت الاغارة على رعاياها في العشرينيات من القرن الماضي، وامتدت تلك الغارات لتشمل قوافل محلية في منطقة نجد، حتى اضطرت «الدولة» الى الحسم.
خذ لبنان حاليا، التي تواجه مشكلة «الدولة» بكل عنفوانها، فإذا كانت مواجهة التدخل الخارجي الذي استخدم مخيم «نهر البارد» ستارا له، أمرا ممكنا التقت عليه الأكثرية، وتم إطلاق يد الجيش للحسم وفرض سلطة الدولة، فإن الأمر غير محسوم بالنسبة للداخل الذي يصر على «تعدد مراكز القرار».
في المقابل هناك دول خليجية تعيش فترة ازدهار، والسبب الرئيسي ليست الثروة - فالثروة في أبوظبي أكثر منها في دبي كمثال - بقدر ما هو «القرار»، وإذا كانت للقرار أخطاؤه، فإن غيابه خطيئة، ومجموع «أخطاء» القرار لا يساوي واحدا في المائة من «خطيئة» غيابه.
إيران تعيش تعدد مراكز القرار منذ ثلث قرن، وكان ابراهيم يازدي، أول وزير خارجية في الجمهورية الإسلامية يهمس في أذن ضيوفه الأجانب أثناء التفاوض في الملفات المثيرة قائلا: «اعذروني، القرار ليس في وزارة الخارجية».
الشيء نفسه عاشته العراق ابان حكم البعث، فقد وقف الجيش والحرس الوطني مكتوفي الأيدي أمام سيارة «جيب» صغيرة تحمل ضابطا بعثيا معه بضعة جنود اقتحموا قيـــادة الأركان واقتادوا ماهر عبدالرشيد، رئيــس الأركان الى المحاكمة، فالقرار للحزب وليس لأحد سواه، وهو اليوم في طهران لأنصار حزب الله، وليس لأحد سواهم!
وهذه قصة معبرة وليست مكتوبة، حدثت في عهد الملك عبدالعزيز، من التاريخ المروي، الذي نتداوله في الصحراء، عند الإبل، فقد كان يتفاوض مع رؤساء بعض القبائل، وبعد ان انتهي الحوار الطويل جدا معهم قال لهم الملك: ها... خلصنا؟! فقالوا: لا، لازم نرجع لمن ورانا.
قال الملك: بعد كل هالكلام الطويل والاتفاق؟! أنا أعطيتكم قراري وخلصت وما عندي غير هالكلام.
قالوا: انت غير، انت حصانك بين رمك - حصن هادئة - واحنا حصاننا بين حصن، إذا صهل صهلوا!
أي انهم سيدخلون في جولات وجولات من التفاوض مع من خلفهم، والمعارض لهم أكثر من الموافق.
النتيجة، انتصر الملك، واستقرت الدولة، واستفاد أحفاد هؤلاء، وكسبوا حضارة وتمكينا من أسبــــاب الثروة التي ربما تملك مثلها شعوب أخرى كثيرة، ولكن غياب القرار والدولة ضيعها.