حب الظهور وعشق الأضواء من الأمراض التي إذا أصابت شخصا قلبت حياته الى جحيم، قد يكون إعلاميا أو سياسيا أو مسؤولا عن عمل حكومي أو ناشطا في الأمور الدينية، أيا كان موقع هذا المصاب فإنه إذا غابت عنه الأضواء لبضعة أيام فقد يصاب بالاكتئاب، ويكفي أن يقول له أحد «ما لك حس هالأيام» حتى ينفقع دمله، مثل هذا المصاب تعتريه أعراض منها كثرة استعماله «أنا أعتقد» و«وكانت لي مقولة» وهو لا يكف عن سرد المواقف الشخصية بلهجة الفخر والخيلاء، وإذا ذكر أمامه إنجاز غيره أصابه الاضطراب، وهو قليل الاستماع لمن يحدثه، فقط يريد جمهورا ومريدين يتبعونه أينما حل!
هذا تطرف، وفي المقابل هناك تطرف معاكس له من قبل أشخاص يتحاشون الظهور ولكن بشيء من المبالغة، بعضهم يترك الصلاة في المسجد بزعم «خوف النفاق والرياء».. وقد رأيت من يفعل ذلك، وآخر يستحق أن يكون مثلا يحتذيه الناس في مجال من المجالات إلا أنه يرفض أن يشار إلى إبداعه أو إنتاجه أو عطائه خشية البروز الزائد، وقد رأيت من هذه الفئة أكثر من رجل وامرأة، أذكر أني حدثت السيدة الفاضلة، والأم الحنون، موضي السلطان عن هذا الأمر، قلت لها «هناك نماذج من نساء الغرب في العطاء مثل السيدة تريزا، لم لا تعرف الأجيال المعاصرة عندنا أمثالك حتى لا يقال إننا عاجزون عن تقديم مثل هذه النماذج التي تضيء الدرب للسائرين؟».
نعم نحن بحاجة إلى الوسطية بين هذين الاتجاهين، نقول لمن يبالغ بالظهور أقصر قليلا ولمن يفرط في التخفي هون على نفسك فالله مطلع على السرائر وقد قال تعالى (إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي..) وإذا كانت الخيرية هي في إخفائها فليس هذا على الإطلاق إذا كان للإظهار حث وتشجيع للآخرين على الاقتداء، مثلما يفعل محسنون يضعون اسمهم في صدر قائمة المتبرعين لتشجيع غيرهم ممن يثق برأيهم في هذا الوجه من الإنفاق، أو ذاك المجال من أفعال الخير.
كلمة أخيرة: شيء جميل المسارعة الى إكمال الصف في الصلاة داخل المسجد وبالذات الصف الأول، مع ملاحظة أن أولوية دخول المسجد هي التي تحدد الأفضلية كما في أفضلية الحضور لخطبة الجمعة «فإذا صعد الخطيب المنبر طويت الصحف، وجلست الملائكة يستمعون الخطبة وأغلقت الدفاتر فلا تسجيل بعدها».. فليتذكر ذلك من يدخل متأخرا للصلاة ويسابق الموجودين في المسجد قبله إلى الصف الأول، فقد أثبتت الدفاتر تلك الأولوية، والأولى هو التقدم بخشوع وأناة، مع الدعاء للجميع بالقبول والدرجة العالية الرفيعة في هذا الشهر، وطوال الدهر.
[email protected]