دراسة الصراع الدائر في اليمن ـ شماله وجنوبه ـ من الجانب النفسي لا تقل أهمية عن الجانب السياسي منها، حيث يؤدي تهميش فئات من المجتمع إلى ترسيب تراكمات تفصل بينهم وبين الانتماء إلى الوطن الذي يعيشون فيه، فليس شيئا أشد تأثيرا من الإقصاء والحرمان من الخدمات الضرورية، وعند مقارنة المناطق السعودية المتاخمة لليمن ـ نجران وعدد من المدن السعودية التي كان اليمن يعتبرها قد انتزعت منها، نجد أن هذه المدن تتمتع بنفس مستوى الخدمات الذي تنعم به سائر مدن المملكة، في التعليم والصحة والطرق المعبدة والمطارات، يعيش فيها الناس في أمن رغم أنهم في قرى متناثرة بمناطق جبلية نائية، في المقابل يشتكي المواطن اليمني على الجانب الآخر من الحدود، وفي الجنوب البعيد من تجاهل الدولة لأبسط حاجاته المعيشية.
إن تزامن القلاقل في الشمال ـ الحوثيون ـ مع الحراك الجنوبي يؤكد، بل ويوجب وضع حد لتصوير الموضوع ـ قسرا ـ بشكل طائفي، صحيح أن هناك من يقفز إلى أي عربة قلاقل بمجرد أن تتحرك لتحقيق مآربه، عربيا أو إقليميا، إلا أن تقصير الدولة في اليمن هو الأساس، ومن المفيد هنا الإشارة إلى تجربة تركيا بشأن المناطق الحدودية مع سورية حيث يجري حاليا تحويل تلك المناطق إلى بيئة اقتصادية وإدارية نشطة يستفيد منها السكان المحليون في توفير وظائف وفرص تعليم ومراكز صحية واتصالات.. الخ، هذه التجربة بحاجة إلى رصد نفس الأموال التي تستخدم اليوم للمواجهة العسكرية، فتنزل على الناس في تلك المناطق خيرا ونعمة، بدلا من أن تنزل حمما وقذائف.
الشيء نفسه يمكن أن يقال عن غرب إيران، الأهواز، والتي يمكن أن تتحول إلى بيئة أعمال، بدلا من تركها لنفس المشاعر السلبية، كالتهميش والإقصاء ونقص الشعور بالمواطنة الكاملة، ولو نظرنا إلى التجربة الهندية بالنسبة للمسلمين هناك، لوجدنا أنهم توقفوا عن اعتبار أنفسهم جزءاً من باكستان أو بنغلاديش، وتفاعلوا مع الوطن المشترك الذي يجمعهم بآخرين، هذه تجربة ثمينة يجب أن نرصدها، ومثلها تجربة ماليزيا مع التعددية العرقية والدينية، أما آن لدول منطقتنا أن تتحرك على المسار الذي سلكته تركيا، الهند، وماليزيا وأن تضع حدا لطريقة «تشعل حربا عندي، أشعل حربا عندك».. إلى متى؟!
كلمة أخيرة:
في الظروف التي شرحناها يسهل اقتناص أمثال ياسر الحبيب، وغيره من الخادرين في همسات الكتب، بمختلف اجتهاداتها، دون أن يعرضوها على الواقع المحيط، فليس فقيها من لم ينظر حوله، ويعمق رؤيته للأمور، حتى يكون ما يقوله خيرا لنفسه ولأمته، بدلا أن يكون بلاء عليهما.
[email protected]