كان من عادة السلطان محمد الفاتح ان يعتكف العشر الأواخر من رمضان في مسجد الشيخ آق شمس الدين الذي تولى تعليمه منذ الصغر، فلما تولى الحكم وجاءت العشر الأواخر من رمضان أرسل الى الشيخ يخبره بنيته الاعتكاف في مسجده، فأخبر الشيخ الرسول بينهما أننا لا نريد السلطان أن يكون معنا في الاعتكاف.
مرت الأيام وجاء عيد الفطر، ودخل السلطان على الشيخ بعد صلاة العيد وبعد السلام والتهنئة جلس على الأرض مع الناس، فقال له الشيخ: «لعلك عاتب علي يا سلطان محمد لأني لم أسمح لك بمشاركتنا الاعتكاف؟».
فقال السلطان: «نعم، أنت تسمح لكل من يريد الاعتكاف بالمجيء، لِمَ رفضتني؟».
قال الشيخ صاحب الوجه الأبيض ـ هذا معنى آق ـ للسلطان «لقد أصبحت اليوم في محل تسهر فيه على شؤون الناس، وتعالج أمور الدنيا، ونحن هنا قد أقبلنا على الآخرة وتركنا الدنيا، فإن أنت جئت الى هنا أحببت الذي نحن فيه، وكرهت الذي أنت فيه، وجلست معنا، ولكنك هناك أنفع للناس منك معنا».
هذه النظرة السديدة تختص بمن تولى سدة المسؤولية من أصحاب الورع والتقى، فإن ما يمر به هؤلاء من معاناة في التعامل مع شؤون الدنيا قد تصل بهم الى الملل منها والعزوف والتوجه نحو الانسحاب الى مجال آخر ترتاح اليه نفوسهم، إلا أن وجودهم في الموقع الذي هم فيه يحقق للناس نفعا كبيرا، فبمثل هؤلاء تصلح البلاد وتستقيم شؤون العباد، وهم الذين يقصدهم الداعون في صلاتهم بـ «اللهم ولِّ أمورنا خيارنا، ولا تولِّ أمورنا شرارنا» و«اللهم من ولي من أمور أمتنا شيئا فرفق بالناس، فارفق به، ومن شدد عليهم فشدد عليه». وليس من الرفق أن يكيل بمكيالين، فيفسح لمن يشاء حسب هواه، إن بقاء هؤلاء في مواقعهم يتطلب منا الدعم والتشجيع لهم ليتحملوا ما يلاقون من صعاب، ومثل هؤلاء قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم «من وسد إليه العمل بغير مسألة منه، وكِّل به ملك يسدده اذا أخطأ» وأي نعمة أكبر من أن يرافقك ملك كريم، ينبهك، ويسدد قولك، ويذكرك إذا نسيت؟
في المقابل، ليس كل من يتولى المسؤولية في مسألة التقى والورع سواء، أعني في المسائل الشخصية والميول الفردية، ومثل هذا الإنسان عليه أن يفصل بين ما يخص شخصه وما يتعلق بمصالح الناس، فهو لا يمثل نفسه في المنصب الذي يشغله، وقد رأيت من التزم خطة الدولة وقوانينها حتى إن لم توافق هواه، يكفيه أن يتحمل خطأ نفسه ولا يقبل أن يتحمل مسؤولية إشاعة الخطأ على الناس فيتضاعف وزره مرات كثيرة.
مثل هذا يتصدق على نفسه بالفصل بين الخاص والعام، نسأل الله له الهداية، ولأنفسنا معه الصلاح، آمين.
كلمة أخيرة:
القذف هو اتهام إنسان لآخر بالزنا، قال الله في كتابه: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا، وأولئك هم الفاسقون)، وإذا كان تطبيق الحد موقوفا فليكن نصيب المسلم هو الإنكار على من يقع في هذا الفعل، والحذر من التراخي معه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كثر من سواد قوم فهو منهم ومن رضي عمل قوم كان شريك من عمل به».
[email protected]