فيصل الزامل
الحالة النفسية التي يمر بها بعض السياسيين في الكويت، وطريقة تعاملهم مع الخلافات تستحق دراسة وتأملا، فهي في الغالب انعكاس لمنهج تربوي مكانه التلفزيون المحلي الذي دأب على بث تمثيليات الشجار لسنوات طوال، وهي تمثيليات لا تحمل قصة حقيقية، بقدر ما تتسلسل للوصول الى الحالة الشجارية العالية على العروض التمثيلية في التلفزيون الكويتي، واقرب مثال لهذه الصورة هو ما نراه في حلقات «صيد الكاميرا» العربية التي ترتكز على استفزاز الطرف الآخر، الى ان يصل الى الهيجان وتوجيه السباب والشتائم وعندئذ فقط يتم اخبار ذلك المسكين بأنه في برنامج «صيد الكاميرا» السخيف، مقارنا بالبرامج الاجنبية التي لا يتم فيها استخــدام تلـــك الاثـــارة ولا حتى الكلمات، مجرد افكار ذكية تبعث على الانشراح وتنشر الابتسامة.
ان تأثير التمثيليات في صياغة الصور الذهنية كبير جدا، ويشبه تأثيرها ما تفعله افلام «الاكشن» التي تكثر فيها مشاهد الجثث وهي تتطاير في انفجار سيارة مفخخة، وتنطبع تلك الصور في اذهان مشاهدين كثيرين من مختلف الاحوال النفسية، فإذا واجه أحدهم حالة احباط نفسي شديد، واخذ سلاحه الرشاش الى فناء مدرسة ثانوية وأخذ ينثر الرصاص في كل اتجاه، فإن الصورة الذهنية الماثلة أمامه هي «رامبو»، وما يقوم به هو عمل يدعو الى الزهو، فالأفلام قد جعلت من يمارس ذلك العمل في موقع بطولي. صور كثيرة للقتل والتخطيط للسرقة، رأينا إحداها، كما نشر، تحدث في احد اسواق مدينة دبي، ما يؤكد ان تلك الافلام هي المدرسة التي أسست لتلك السلوكيات.
ما يحدث في الاعلام الصحافي الكويتي من مساجلات بين السياسيين هو انعكاس للصور الذهنية التي غرستها تمثيليات الشجار على مر سنوات طوال، ورّثت لنا هذا الناتج المؤسف.
لقد رأينا على مدى ثلاثة اسابيع مضت مسلسلا رديئا في النص والاخراج، سيطر عليه اداء «صيد الكاميرا»... العربية، تبادل شتائم في البرلمان مع تحريش مستمر من بعض الصحافيين، يستسلم له السياسيون بسرعة مذهلة.
اخبرني من يتابع قنوات فضائية بأن بعض هذه القنوات تبث شريطا من رسائل المشاهدين، والتي لا تزيد على تبادل الشتائم بين ابناء دول الخليج، وهي قطعا تحدث بفعل فاعل، ينتحل صفة رعايا هذه الدولة او تلك، مع اسم رمزي ثم تجيء ردود الافعال النارية من كل حدب وصوب، بينما «الفاعل» يتفرج.
مثل هذا يحدث في الساحة السياسية في الكويت حتى خرج الأمر عن سيطرة السياسيين انفسهم، ما اثار اشمئزاز الناس وقرفهم.