كنت جالسا على كرسي الطائرة المتجهة الى الولايات المتحدة مع الاخ العزيز يوسف العتيقي والى يساري طالب لم اعرفه، واثناء الرحلة كان هذا الطالب يتناول الخمر، لم يدر بيننا حديث الى ان اقتربت الطائرة من الهبوط، طلب مني قلما لتعبئة نماذج الهجرة اعطيته وعندما أعاده الي قال: «انا ادرس من سنتين بأميركا، خلوني في مدينة لوحدي والنتيجة هاللي شفت، شلون الواحد ما تزل رجله اذا هو بروحه؟»، لم يكن حديثه نتيجة محاورة بيننا، كان فعلا حديثا بلا مقدمات، سوى معاناته، منذ تلك اللحظة عقدت العزم على الا اكتفي بالتفرج.
تذكرت هذه المحادثة القديمة - عام 1970 – اثناء قراءتي لمحاورة جريدة «الراي» التي ادارها الزميل عبدالله بوفتين وحررها الزميل باسم عبدالرحمن مع الطلبة الكويتيين في الولايات المتحدة وشكرتهم في نفسي كثيرا على المجهودات الكبيرة التي يقومون بها تجاه اكثر من ثلاثة آلاف طالب وطالبة منتشرين في 42 ولاية تتم متابعة احتياجاتهم عبر 70 متطوعا من زملائهم الطلبة الذين يساعدون الطالب المستجد في التعرف على انظمة الجامعة، شؤون السكن والتنقل واستخراج الاوراق الرسمية والاستعداد للامتحانات الاساسية التي لا غنى للطالب عن اجتيازها لمتابعة انتسابه للجامعة ...الخ، والاهم من ذلك كله هو الرعاية الاجتماعية لشاب يعاني من فراق الوطن والاهل فاذا بهؤلاء يعوضونه عن هذا الفراق سواء في المناسبات مثل شهر رمضان والاعياد، او في انشطة ترفيهية اثناء العام من حين لآخر في رحلات تحقق للطالب اشباع الجانب النفسي بطريقة آمنة وممتعة في وقت واحد.
هذه الجهود كبيرة جدا، وهي مكملة للدور الذي تقوم به الدولة، وربما وصلت جهود هؤلاء الشباب الى آفاق لا يصل اليها المسؤول الرسمي سواء لبعد المسافات او لطبيعة الاحتياجات وكثرتها على مدار العام، ما يجعل تضحية زملائهم القدامى بالوقت وتحملهم لتعب التنقل وربما حتى الانفاق على الاتصالات والانشطة من مصروفهم الشخصي، تضحيات ثمينة، وهي تحفظ للوطن اغلى ثروة يملكها، فهؤلاء هم في مقدمة الصف القيادي للاجيال المقبلة وبقدر جودة إعدادهم بقدر ما تكون جودة مستقبل بلدنا، ومستوى الامن الاجتماعي والاقتصادي له، والنجاح الاداري والتقدم في كل المجالات.
شكرا لكم يا شباب «احمد الجوعان – عبدالرحمن البحر – عبدالله بوشهري - فهد السبيعي – محمد الكاظمي» وايضا لكل الاسماء التي لم ترد والمنتشرة سواء في اميركا او في اوروبا، الذين حملوا انفسهم – طوعا – مسؤولية حمل هم يشغل اذهان اهالي الطلبة والطالبات الذين لا يكاد بالهم يهنأ لا ليلا ولا نهارا بسبب ابتعاد فلذات اكبادهم عنهم، فاذا بهؤلاء الشجعان ينوبون عنهم، ويتفانون في خدمة ابنائهم بدرجة تفوق ما يمكن ان يفعله حتى الاهل لو كانوا معهم.
«شكرا» كبيرة، جزاكم الله خيرا، وفقكم الله.
كلمة أخيرة:
جميع اسئلة الحوار مع الطلبة جميلة، مع ملاحظة واحدة حول «متابعتكم للصراع الرياضي في الكويت» والذي لا يشكل اولوية بالنسبة لهم فعندهم مسؤوليات اهم منه بكثير، بل شعرت من حديثهم بأنهم تجاوزوا حتى سلبيات التنافس الانتخابي بين الطلبة، وهم يتعاونون مع سائر الاطياف بنجاح كبير جدا، لا داعي لإشعارهم بأن الصراعات هي جزء من ثقافة اي شاب كويتي، فالعكس هو الصحيح، ركزوا على الانتاجية، دعوها هي التي تتكلم، فهي اعظم فصاحة من اي لغة، واضخم من «انا» التي تحرك جميع تلك الصراعات.
[email protected]