فيصل الزامل
يتمتع طيب اردوغان، رئيس وزراء تركيا بشعبية كبيرة في بلاده، الى درجة ان الجيش في ذروة خلافه معه لم يستطع ان يتدخل في سلطاته كرئيس وزراء، وقد عزز هذه المكانة الشعبية حينما أعرض عن ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، وترك ذلك المجد، كما يراه البعض، لأي شخص آخر في حزبه.
ابرز انجازاته على الاطلاق هو بدء المفاوضات الرسمية التاريخية للانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي عام 2003، والنمو الاقتصادي الذي تحقق في عهده، وقدرته على بناء جسور مع الأكراد في تركيا، ما انعكس على تصويتهم له بشكل جماعي، رغم وضوح موقفه من حزب العمال الكردستاني، الأمر الذي يتفهمه الاكراد، مثلما يتفهم العرب الفصل بين التدين والإرهاب.
ان تركيا تعتبر الملف الكردي من ابرز مقومات الأمن الوطني، وهو ما لا تستطيع الاحزاب المتطرفة قوميا ان تتعامل معه، مقارنة بما فعله طيب اردوغان حينما خاطب الناشطة الكردية، «ليلى زانا» التي دعت الى اقامة نظام فيدرالي، وكانت تتحدث باللغة الكردية في البرلمان التركي عندما كانت عضوا فيه، فوجه اليها الخطاب قائلا: «على زانا مراعاة كلامها قبل ان تتحدث»، موضحا ان تركيا التي استثمرت مليارات كثيرة لاستصلاح مناطق الشرق واقامة السدود الضخمة في مناطق منابع نهري دجلة والفرات، لا يمكنها التساهل مع طموح بعض الاحزاب الكردية التي ترغب في الانفصال والاستحواذ على هذا المكون الاقتصادي المهم للدولة التركية.
نعم، طيب اردوغان وحزبه لديهم جذور إسلامية، ولكنهم نجحوا في اقناع الشارع التركي بأنهم لن ينقلبوا على نمط الحياة العصرية، واذا كانت اوروبا قد قبلت ان تتعامل مع اردوغان في اكثر من محور، اقتصادي وسياسي، واستطاع ان يكون اول رئيس وزراء تركي يزور اثينا، العدو التاريخي لأنقرة، فإنه من باب أولى قادر على اقناع الشارع التركي بأنه صادق في التوفيق بين خلفيته الدينية واستحقاقات النظام العلماني بتوازن دقيق جدا، لا يضطره الى خلع حجاب زوجته، ولا الاستعجال في تغييرات يجب تركها لاختيار المجتمع وقناعاته.
لقد نجح اردوغان واركان فريقه في تجاوز محاولات استفزاز كثيرة طوال الشهور الثلاثة الماضية لم تقتصر على المسيرات الحاشدة التي نظمها حزب الشعب الذي اطلق اتهامات من نوع «اردوغان لديه مخطط لتحويل تركيا العلمانية الى جمهورية إسلامية على الطريقة الايرانية»، وكان الغوغاء في تلك المسيرات يرددون «اردوغان من اصل يوناني، وعبدالله غول، يهودي».
قابل اردوغان وحزبه ذلك كله بالانضباط والهدوء، الأمر الذي قدره الناخب التركي عاليا، وجاءت النتيجة المفاجأة 50% من الشعب التركي يصوت لأردوغان، واذا تم احتساب النسبة التي لم تشارك في التصويت، فإن النسبة سترتفع بالتأكيد، نظرا لأن المدن هي الأكثر مشاركة، والأرياف هي الأقل، وفيها عمق اضافي لحزب العدالة والتنمية.
انه درس بليغ موجه للاتجاهات الدينية في العالم العربي، التي يتحدث بعض المندسين فيها عن اقامة دولة الخلافة في لندن وباريس، وذلك للاستعداء على الوجود الاسلامي في اوروبا، وتقليص مشاركته في الحياة العامة هناك، ومثل ذلك التخبط نجده في عدد من المدن العربية.
لهؤلاء نقول «اقرأوا التجربة التركية جيدا».