فيصل الزامل
قال فيما يشبه الشكوى: «لماذا نرى شركة واحدة لديها كل هذا العدد من محلات التجزئة في جميع انحاء البلاد، ألا يفترض أن تتنوع انشطتها فلا تبرز الى العلن بهذا الشكل؟».
هذا النوع من الحديث هو الذي ضرب الاقتصاد المصري في بداية الخمسينيات يوم ان كان هناك «علي بورجيلة» الذي اسس وسائل النقل العامة، بدأ بنظام «الترام» ثم امتد نشاطه الى شبكة الحافلات «الاتوبيسات» التي وصلت بين اجزاء مدينة القاهرة ثم المحافظات، وهناك عشرات غيره مثل طلعت حرب مؤسس أكبر المؤسسات المالية في مصر، وآخرين في مجال الغزل والنسيج، هبطت حملة التأميم على رؤوس الجميع ولم تفرق بين العاملين بجد واجتهاد واؤلئك الاقطاعيين المعطلين لقوى الانتاج، كانت النتيجة هي غياب الفئة المحركة للاقتصاد الوطني، وسيطرة الكسل الاشتراكي الذي تعاني مصر اليوم آثاره المدمرة، فلا يجد الناس فيها ماء صالحا للشرب في هذه الأيام الصيفية القاسية رغم انها بلد أطول نهر في العالم.
في الكويت ودول الخليج هناك من يعزل مساحات شاسعة عن مسيرة التنمية، يحجزها عن التداول لسنوات طوال، ويكتفي برفع أسعار الأراضي على الراغبين في السكن فتتفاقم ازمة السكن ذات الآثار الاجتماعية السلبية المعروفة، وحتى اقامة المشاريع تكون صعبة بعد ان تبخرت جدواها الاقتصادية بسبب الأسعار الباهظة للعقار، هذا الدور السلبي يساهم فيه بعض كبار ملاك العقار، وكذلك بعض شركات التمويل التي جعلت مصدر رزقها في المضاربات العقارية، في المقابل هناك من يسهم في بناء الدولة في مختلف مجالات الخدمات الصناعية والعمرانية وفي سوق التجزئة، في حين لا يفرق المعترض على الشركات بين النافع منها والضار، وربما ركّز على النافع بحكم بروز انشطته الى العلن، واما محتكر الاراضـي فإنـه مثـل الموظـف البليـد، لا ينـتقـده أحـد، لأنـه لا يعمل و«من لا يعمل، لا يخطئ»! لهذا لا ينتقد أحد مثل هذا البليد، بينما العاملون بجد واجتهاد يواجهون المضايقات وتكسير الهمم بلا انقطاع، رغم ان هؤلاء يسهمون في بناء الدولة في مختلف مجالات الخدمات الصناعية والعمرانية وفي سوق التجزئة.
في مصر - مرة أخرى - قام شخص من الفئة الانتاجية بتقديم عرض لتنشيط ما يسمى بالجمعيات التعاونية، وهي عبارة عن بقالات صغيرة جدا، تستخدم لتوزيع التموين الحكومي بالبطاقة، مساحتها بضعة امتار، وبعد تقديم الدراسات اللازمة وافقت الدولة على تأجيرها له، وعددها 260 نقطة بيع، قام بتوسعتها وتحويلها الى أسواق حديثة وراقية، فيها ارفف منسقة، استقطبت افضل المنتجات الغذائية من المصادر المحلية والخارجية، ساعده على النجاح اسلوب الشراء الجماعي بكميات ضخمة وبأسعار معقولة مع شروط متميزة في السداد.
ثم تحرك اصحاب الأكشاك الصغيرة الذين يبيعون السجائر والصحف ومحلات الخضار وغيرهم، ونشروا اعلانات على هيئة مقالات تتهمه بأنه يستورد بضائعه من شركات بريطانية يملكها يهود، تزامن ذلك مع موجة عداء للمنتجات الغربية قبل حوالي سبع سنوات، نجحت الحملة في ايقاف حركة البيع في بلد تتحكم فيه العواطف، ولم تنفع اعلاناته في نفي تلك الاتهامات وشهادات الاثبات التي نشرها في جميع الصحف المصرية، النتيجة هي الافلاس والعودة الى البقالات البسيطة وارتفعت الاسعار نتيجة للشراء المتخبط من مصادر التموين.
نعم، نحن في الكويت نمر بنفس المرحلة، حيث الأعين مركزة على من يقوم بأنشطة تخدم الجمهور، بينما هي غافلة عمن يحطم الاقتصاد لأنه بعيد عن الخدمات التي يتعامل معها الجمهور، يقول صاحب شركة مقاولات فازت شركته بعقد مع الدولة: «نحن نجهز لهذا العقد منذ سنتين، تحملنا رواتب الجهاز الفني، وتقدمنا حسب شروط المنافسة، وكنا اقل الأسعار، ولو لم نفز بالعقد لتحملنا خسائر كبيرة، وسنعمل على تنفيذ العقد الذي يحتوي على عقوبات وكفالات.. الخ، ومع ذلك فنحن نرجو الجهات المسؤولة ان تكتفي بنشر خبر فوزنا في الجريدة الرسمية، والا يتم النشر في الصحف اليومية، فهناك من سيقرأ الإعلان ويرمينا بكل الصفات السيئة وكأننا اخذنا شيئا لا نستحقه، وفي غفلة من احد، وهذا مخالف تماما للواقع، فقط لا تنشروا اعلانا، هذا كل ما نطلبه»!