يستطيع المسلم ان يؤدي العمرة والحج بغير الحاجة الى تصريح، حتى وان كان بعيدا عن مكة المكرمة «من صلى صلاة الصبح في مسجد جماعة يثبت فيه حتى يصلي سبحة الضحى كان كأجر حاج او معتمر تاما حجته وعمرته»، وهو معنى جميل يحقق اختراقا لحاجز الجغرافيا ويتيح الفرصة لمن لا يستطيع السفر سواء لسبب مادي او صحي او بسبب بعد المسافة لمن يعيش في اقاصي الارض، ومع ذلك فان بلوغه الاجر والثواب متاح له، هذه الطبيعة الفريدة لهذا الدين تتيح للمسلم ان يرافق النبي صلى الله عليه وسلم في اداء الحج «عمرة في رمضان كحجة معي» في اختراق آخر ولكن لحاجز «الزمن» هذه المرة، بل ولحاجز «المكانة» الرفيعة التي يتميز بها مقام النبوة الشريف، وهي كرامة عامة متاحة لكل مسلم قادر على أداء العمرة في شهر رمضان المبارك، وحتى من لم يتمكن من اداء العمرة في رمضان يمكنه ان يعبر حاجز المكانة الشريفة ويصل الى مرتبة الاخوة مع النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال لاصحابه ذات يوم «واشوقا لاخواني» قالوا «أولسنا اخوانك يا رسول الله؟» قال «أنتم أصحابي، اخواني لم يأتوا بعد، اجر العامل منهم بأجر سبعين» قالوا «سبعين منا ام منهم يا رسول الله؟» قال «بل منكم، لانكم تجدون على الخير اعوانا، ولكنهم لا يجدون»، هذه المكانة الرفيعة محجوزة للصابرين على اضطهاد قاس وأليم لا سبب له سوى اتباعهم لمنهج النبوة، يكابد الواحد منهم وهو قابض على دينه كأنه يقبض على جمرة من نار، من هول البطش والكيد والمكر، هذا هو الذي يناديه محمد صلى الله عليه وسلم عبر حاجز الزمن قائلا: «واشوقا إليك يا أخي» يقوي من عزيمته، فتتضاعف طاقة الصبر لديه.
هذه القدرة على الجمع بين المعاني السامية بطريقة انيقة تستوقف الناظر، فالمعروف ان الجهاد الاكبر هو القتال وما يصاحبه من مشاق واهوال، اسمع الى النبي صلى الله عليه وسلم ينقل هذا المفهوم الى افق جديد يتسع لغير القادر على خوض غمار الجهاد «هلم الى جهاد لا شوكة فيه، الحج»، وهي طريقة عجيبة في تقريب المنال للطامحين وابعاد اليأس عنهم وتعذر الوصول بطريقة محددة، لابد من الاستمرار في المحاولة لبلوغ الهدف، لا ينبغي ان تضعف في النفوس همم الارتقاء بمختلف الطرق والاوقات.
قارن هذا الاسلوب بمن يجعل بين المرء وربه حواجز (العارفين لهم طرائق) اسمع الى جواب النبي صلى الله عليه وسلم للاعرابي الذي سمعه يدعو بدعاء بليغ ومعه معاذ بن جبل يدعو بنفس الكلمات البليغة، فقال «اني لا اعرف دندنتك ولا دندنة معاذ يا رسول الله، ولكني أسأل الله الجنة وأستعيذ به من النار» قال له النبي صلى الله عليه وسلم «حولها ندندن يا اعرابي»، بكل تواضع، بل وتجاوز لعبارة «دندنتك» وما تحويه من تصوير تجاوزه المربي الاول بتسامح كبير.
اهلا بأيام الحج، وبوركت خطى من مشى اليه، وبوركت ايام من حج وهو في بلده، وكل عام وانتم بخير.
كلمة أخيرة:
القطار الذي ينقل الناس من اماكن المشاعر المقدسة هو نقلة جديدة تضاف الى مسيرة التطوير المستمر، فتحية للمملكة العربية السعودية على العناية الفائقة بأقدس مقدسات المسلمين، والله نسأل للقائمين والمعاونين لتلك الجهود أعظم الاجر والثواب.
[email protected]