فيصل الزامل
لا يمكن تجاهل ظاهرة «السينما داخل بيتك» والمتمثلة في كم كبير من القنوات الفضائية التي تبث افلاما اجنبية على مدار الساعة، صارت تستقطب مختلف الفئات العمرية، واذا رغب احد في تجاهلها، فان ذلك لا يعني ان بقية افراد اسرته سيتجاهلونها، فهي واقع يحتاج الى التعامل معه لا الهروب منه.
الافلام التي تبث ليست بالضرورة اباحية، بل ربما كانت محافظة نسبيا اذا ما قورنت ببعض الافلام العربية التي انحدرت الى الحضيض في الشكل والموضوع، لهذا هي لا تستقطب الشرائح التي تستقطبها الافلام الاجنبية، وما سنتوقف عنده هنا ليس الشكل، ولكن الجوهر.
لقد نجحت سياسة الغرب منذ ثلاثين عاما او اكثر في مهاجمة المعسكر الشيوعي عبر بث الافلام التي تعرض انماط الحياة الغربية، وتعطي المشاهد القابع وراء الجدار الحديدي في الاتحاد السوفييتي صورا من الحياة الرغيدة في الغرب، وتطبيقات الحرية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكلها غير متوافرة في العالم الاحمر.
هذه الحرب الاعلامية، رافقها فشل اقتصادي ذريع في المعسكر الشيوعي، تضافر هذان العاملان وكانا بمنزلة الضربة القاضية للروح والبدن، فسقط الاتحاد السوفييتي، ولم يقم بهدم سور برلين احد سوى مشاهدي الافلام الغربية في ألمانيا الشرقية، نيابة عن جيل كامل موجود في سائر مدن المعسكر الشيوعي، في پولندا والتشيك.. الخ.
لو اردنا مقارنة ذلك بما يجري في بلادنا هذه السنوات في وارد تلك الحملة السينمائية، التي لا تنقل صورا اباحية، بقدر ما انها تحاول ان تصور الفوضى الجنسية على انها حق اختيار الفتاة في ان تبيت في كل ليلة مع رجل او شاب، فهذه هي حياتها وهي حرة، هكذا هو الحال في الغرب، وتتولى تلك الافلام تمرير هذه الصورة بقالب روائي يختار قصة جديدة كل مرة لعرض نفس الفكرة، نمط الحياة الاجتماعية الغربية.
لقد اصبحت المهمة سهلة، في نظر المصنّع المنتج لهذه الفكرة، فالعالم اصبح قرية صغيرة، هناك الانترنت، والوجبات السريعة ونظام «الفرنشايز» الذي يقوم على التوسع في نشر انماط العيش او الدراسة او الاكل.. الخ.
لم يتجه المصنّع في نفس المسار السابق، الذي تم تطبيقه مع المعسكر الشيوعي باعتبار الفوارق في الانظمة، هنا انت تتحدث عن مجتمع رأسمالي، ولكنه منغلق «...» تحكمه قيم محافظة ولابد من الذهاب الى فئة الشباب من خلال نداء الحريات الاجتماعية.
اذا استمر تفكيك الآلة التي يستخدمها هذا المصنع، وتعرفنا على برمجتها، فربما استطعنا اعادة البرمجة، وكشف اسلوب عمل هؤلاء، وبانتشار الوعي فان احدا لا يتصور كيفية الجمع بين التحذير من مرض الايدز، وفي نفس الوقت التشجيع على حياة الفوضى، تحت اسماء براقة، على نحو ما يفعلونه بالتحذير من التدخين، مع الترويج له، هذا التناقض سهل ان يكشف بشرط الا نتجاهله.
ان اعادة البرمجة تجعل مشاهدة تلك الافلام بوجود «التطعيم» غير ذات تأثير، وربما كان العكس هو الصحيح، حيث يشمئز المشاهد من الحال البائس للفرد في مجتمع يضم 12 مليون مشرد لا ينامون تحت سقف، وكل واحد من هؤلاء المشردين هو ضحية تلك المفاهيم، فقد كان هو في يوم من الايام يملأ الدنيا صراخا حول الفوضى الجنسية، كأسلوب حياة، وانتهى به الحال طريدا شريدا وحيدا.