قال: اشتغلت في العمل السياسي منذ ان كنت طالبا، وتقلبت في أعلى المناصب، كان العمل السياسي هو كل شيء في حياتي، هو مهنتي وهو وسيلتي في الحياة اليومية، كنا فئة لا تتورع عن تزوير الانتخابات الطلابية ولا عن تشويه صورة المنافسين بكلام نعلم انه كذب ولكننا نقول لبعضنا البعض «هذي هي السياسة، يا تقبلها يا تتركها».
قلت: والآن؟
قال: تركت ذلك كله، وركزت على تخصصي الذي أعمل فيه، لن أعود الى السياسة مطلقا.
قلت: هذا اللي انتو شاطرين فيه، فقط التدمير، ولا تفكرون في التعمير!
قال: ماذا تقصد؟ لا عودة الى العمل السياسي القذر.
قلت: لا ترجع لا للقذر ولا حتى لغير القذر، أعني لا يهمني أن ترجع الى العمل السياسي، أكلمك عن إصلاح ما أفسدته من خلال نشر مفهوم نظيف للعمل السياسي، من قال ان العمل السياسي في جوهره هو عمل فاسد؟ هناك من قال «الغاية تبرر الوسيلة» وصدقه كثيرون، أنت واحد منهم، وهناك غيره استطاعوا أن يجمعوا الناس حول كلمة سواء وخطة بناء استجاب لها الناس باستخدام الصدق والشفافية وحسن العرض والمثابرة التي لا تعرف الكلل، وليس باستخدام «الغاية تبرر الوسيلة».
قال: هذا في المدينة الفاضلة.
قلت: «رجب طيب اردوغان» ليس تجربة حدثت قبل 1400 سنة، وهناك غيره.
قال: مثل من؟
قلت: كثيرون، وهم بشر يصيبون ويخطئون ولكن هدفهم سليم ووسيلتهم واضحة، خذ الملك عبدالعزيز بن سعود الذي لا يمكن إنكار نجاحه في بناء دولة من لا شيء، وذلك بالتزامن مع اختفاء دول قامت على نظرية «الغاية تبرر الوسيلة». انظر في تجربة «عبدالرحمن سوار الذهب» وخذ حتى من تشرشل إصراره على مقاومة هتلر، خذ أفضل ما لدى الجميع ولا تنتظر نموذجا كاملا بين البشر، اترك نواقصهم وخذ تجاربهم الناجحة في العمل السياسي وانشر ثقافة جديدة، أشرك معك من يتفق معك في إمكانية ممارسة العمل السياسي بطريقة نظيفة.
قال: ماذا تريد ان تقول؟ قلت: هل سمعت مقولة عمر رضي الله عنه بعد إسلامه «والله لا تركت مجلسا جلست فيه بباطل إلا صدعت فيه بالحق»؟ كن كذلك.
قال: هذا عمل تثقيفي، أليس كذلك؟
قلت: إن تأثير من يتحدث عن تجربة وخبرة ميدانية وعملية أكبر بكثير من تأثير التثقيف النظري، انظر إلى الاقتصاد الإسلامي، هل كان سيقدم نماذجه المتنوعة الحديثة - بنوك وأوقاف بطريقة معاصرة ومؤسسات زكاة متطورة - لولا اجتماع الممارسين من أصحاب الخبرة مع أصحاب التخصص العلمي في قاعة واحدة؟! قال: كيف أبدأ؟
قلت: جدد شبابك القديم وعنفوانك الذي كنت به تصول وتجول، ولكن للسير في الاتجاه الصحيح هذه المرة، الجيل الحالي بحاجة لكم، قدموا له خلاصة تجاربكم حتى نتوقف - في هذا البلد بالذات - عن تكرار التجارب الخاطئة.
كلمة أخيرة: س: ما حكاية هذه الوقفات التي تعرضها حول موافقات العلم للقرآن الكريم؟
ج: هي من قبيل (بلى ولكن ليطمئن قلبي) ألخصها للقارئ الذي لا يجد وقتا للبحث والتنقيب، وهو منهج قرآني (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل
ما نثبت به فؤادك).
س: حسنا، مشكور.
ج: في الحقيقة هي ليست مفيدة للبعض.
س: ماذا تعني؟
ج: وصف القرآن الكريم صنفا من الناس يقف عند شفير جهنم ويتأكد يقينا، ولكن... (ولو ترى إذ وقفوا على النار) شاهدوا اللهب يتطاير (فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) يتابع القرآن (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون).
س: ماذا تعني؟
ج: الإيمان بالغيب هو ركن أساسي في الدين الإسلامي، قد نعرف الحكمة من هذا النص وذلك التوجيه، وقد لا نعلمها
(و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا).
[email protected]