فيصل الزامل
الايقاع بين افراد الاسرة الواحدة ليس شيئا يفتخر المرء به، ولا يعتبر انجازا ان يتخصص المرء في تتبع نقاط الاختلاف لتوسيعها وزيادة حدتها، هذا عكس ما درج عليه مجتمعنا في اصلاح ذات البين، واني استذكر هاهنا ما كتبه احد الكويتيين قبل عام ونصف العام، في الايام التي تلت وفاة الشيخ جابر الاحمد يرحمه الله، يقول الكاتب: «قلت لأبي لن نجد مثل الشيخ جابر ابدا، فقال ابي، قلنا مثل ذلك عندما توفي الشيخ عبدالله السالم يا ولدي، والحمد لله جاءنا بعده من واصل المسيرة، احسنوا الظن بالله يا ابنائي، وتفاءلوا بالخير تجدوه».
نعم، لقد مارست أسرة الصباح دورها في حدود القدرات البشرية، فقدمت الافضل من بين ابنائها، ومن يتأمل في احوال الدول المحيطة، يجد ان اكثرهم يترحم على من مضى حتى وان كان سيئا، لان القادم اليهم كان دائما اسوأ ممن مضى، وليس هذا حالنا بحمد الله، الأهم من ذلك ان الكويتيين قد دأبوا على النأي بعيدا عن الخلاف بين افراد الاسرة، وان كان من سعي ومجهود فهو لتقريب وجهات النظر وليس استثمارها بالانحياز الى جهة وتأجيج الصدور، هذا الأمر لم تعهده الأسر الحاكمة في الدول المشابهة المحيطة بنا حيث يعلم جميع افرادها ان الصدع اذا اتسع فلن يوفر أيا من اطراف الخلاف، لهذا لا يسمحون للمتصيد ومستثمر الخلافات ان يتسلل بينهم.
لقد تفشى بيننا منهج غريب يقوم على المبايعة - منح الثقة - ثم القيام بكل شيء يناقضها، تجد ذلك في مباركة مجلس الامة للتشكيل الوزاري، ولا يمر يومان حتى تغلب مظاهر وممارسات نقض تلك المبايعة او المباركة، ومثل ذلك مع قرارات من تمت مبايعته للحكم.
وفي الحديث الشريف: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه ليس احد يفارق الجماعة شبرا فيموت الا مات ميتة جاهلية» متفق عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» أخرجه مسلم، وقال عز من قائل: (يأيها الذين آمنوا اوفوا بالعقود) وقال أيضا: ( وأوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا)، وقد امر النبي ژ عند الاختلاف: «تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على خاصتكم، وتذرون أمر عوامكم».
ان حاجة الناس للحاكم - كما يقول ابن خلدون - مثل حاجتهم للماء والهواء، وليس أضر على شعب من غياب حاكم، او اضطراب امره، تجتمع حوله الآراء المتعارضة فيقاربها، وان تعاسرت يكون له قول فصل تجتمع حوله الامة، وقد وصف محمود امين العالم ما ذهب اليه ابن خلدون قائلا: «لقد استطاع ان يضع يده على حركة التاريخ اذ ان هناك قانونا موضوعيا لهذه الحركة، ويبدو اننا الآن نفتقد هذا القانون وهو قانون من داخل الاشياء والطبائع، وليس مفروضا عليها من اللامعقول»، انظر ان شئت الى الدول المعاصرة، سواء كانت ملكية دستورية، كبريطانيا، او حتى جمهورية كفرنسا، حيث تنتهي الشورى - الانتخابات - الى بيعة عامة، ثم تبحر «سفينة الدولة» وسط الامواج المتلاطمة، يقودها من تم انتخابه، وخلال تلك الرحلة يكون النصح وانتقاد الخطأ، ولكن ليس نقض تلك البيعة، على نحو ما يجري في بلاد عربية كثيرة، تعتمد خيار الانتخابات، ثم تنقضه!