كانوا يسمون عاصمة ساحل العاج (أبيدجان) «باريس أفريقيا» بسبب تفوقها على سائر المدن الأفريقية في التنظيم والإدارة، اليوم يحبس الناس في هذه الدولة أنفاسهم تحسبا لحرب أهلية تقترب رويدا رويدا بعد أن استبد الخلاف بين السياسيين ولم تنجح «الشرعية» في حسم هذا الخلاف، رئيس الوزراء الذي جاء بالطرق النظامية «الحسن وترة» يواجه بمقاومة من منافس عنيد هو «لوران غباغبو» رئيس الوزراء السابق الذي لم يتقبل نتيجة عدم فوزه فحشد الشارع اعتمادا على قبيلته ولم يستمع الى وفد من الاتحاد الأفريقي زار ابيدجان والتقى بسائر الأطراف، وطلب منه قبول نتيجة الانتخابات التي اعترف بها المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وسائر دول الجوار، ولكن «غباغبو» يستمد قوته من علاقته القديمة بقيادات الجيش عندما كان رئيسا للوزراء وتعيينه لمدير محطة التلفزيون في تلك الفترة فسيطر أيضا على الاعلام الرسمي، وبدلا من أن تحسم الانتخابات الصراع فقد أججته بسبب عدم قبول أحد الأطراف لنتائجها، ما يفتح الباب على مصراعيه لحرب أهلية بدأت في صورة اغتيالات متكررة ينقل أخبارها المراسلون الأجانب بشكل شبه يومي.
زرت هذه الدولة قبل 12 سنة واليوم أتألم لما يجري فيها، وأيضا أتألم لما يجري في الكويت، المرض واحد فالطبيعة البشرية في بعض الدول النامية لا تقبل بنتائج الانتخابات، وبالذات إذا شربت من كأس السلطة والنفوذ وتضخمت عندها «الذات» الى درجة الورم المتضخم، وبشكل يثير الشفقة.
لقد طال الكتاب الكويتيين من «المحرض» ومن حوله، تعريض وسباب بسبب عدم انسياقهم وراء محاولته جر البلاد نحو الاحتراب، ووعيهم بما يمكن أن تصل إليه الأمور، فأطلق عبارات «الإعلام الفاسد» بكل اتجاه في عبثية مؤلمة لم يدر صاحبها أن الناس قد تعلمت بما فيه الكفاية، وأنها لا ترغب في تكرار الدروس والمآسي، ولسان حالها يقول «انتهى الدرس».
كلمة أخيرة:
لم تعد الأغلبية صامتة، فالديوانيات عبرت عن استيائها من الشحن وهي تتألم لتجاهل من عقد ندوة تحريض رغم التوجيهات الحكيمة من المسؤول الأول في هذا البلد، ما دعا رجلا مثل الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق الى نشر مناشدة أعضاء مجلس الأمة عبر الصحف لتغليب الحكمة والانتباه الى ما سيجره هذا التصعيد على البلد من ويلات.
شكرا للأغلبية التي لم تعد صامتة، شكرا لربات بيوت تحدثن في وسائل الإعلام، قالت إحداهن: «وبعدين؟ الى متى ما نتعلم؟ ناطرين الأمم المتحدة تتدخل؟ ترى الحين مو مثل أول، محد صوبكم».
شكرا للشباب الذي رفض ممارسات لا تريد لهذا البلد الخير، سألني بعضهم: «ماذا تريدوننا أن نفعل؟ رأينا ما حدث لآبائنا وأهلنا قبل عشرين عاما، ولن نسمح بتكرار ذلك في صور جديدة»، قلت لهم: «أدعو الله عز وجل أن يحفظ البلد ومن فيه وأن يلهم الجميع الرشاد».
[email protected]