فيصل الزامل
كتب الاستاذ أنيس منصور في «الشرق الأوسط» الشهر الماضي بعنوان «أعوذ بالله من هذا الإله» مايلي: «نعمة كبرى أن تكون مؤمنا بالله
. نعمة أكبر أن تستريح إلى أن الله يراك ويسمعك وينصرك على عدوك وعلى نفسك، سعادة ما بعدها سعادة أن تؤمن بالعدل والخير والحب والسلام.. وأن كل شيء له أول وله آخر.. وأن الله حق والموت حق والعدل والخير حق.
فقد أتعسني وعذبني وأضناني كتاب قرأته واستمعت إليه للمفكر الإنجليزي ريتشارد دوكنز عن الإلحاد.. وهو أكثر الكتب انتشارا. لقد أجهد الرجل فلسفته وعلمه وعقله لكي يثبت أن (الله) عند اليهود والمسيحيين والمسلمين ليس هو (الإله) الذي يستحق العبادة، فالإله ليس رب الناس فقط وإنما رب الأكوان كلها ولا يعنيه أمر الإنسان والحشرات والهوام والميكروبات! إن هذا الكاتب يجـرد الإنسـان من أعـز ما يملك: الدفء والأمل والحب والعدل والخير.. لا أحد يحبه ولا هو يحب أحدا.
إن (الإله) الذي (آمن) به دوكنز قد ألقى بنا وتركنا لأننا لا نساوي شيئا لا عنده ولا عندنا ولا في هذا الكون! آمنت بالله وأعوذ بالله من هذا (الإله) الذي يدعونا إليه!!)»... انتهى، باختصار.
توقفت مليا عند ملاحظة أنيس منصور على ذلك الانجليزي، ونظرت في كوكب الأرض السابح في الكون بزرقته الناصعة، بين كواكب شاحبة ميتة كثيرة لا حصر لها، بلا جمال من أي نوع، دعك من الحياة وزينتها التي نرى على سطح الأرض وفي بحارها التي تعج بالحياة والجمال والألوان الزاهية، وغاباتها التي تصدح بأصوات الطيور ونداءات البهائم، انه صوت الحياة، اسمع الى هدير الرياح المزمجرة، وأصوات ارتطام الأمواج بشواطئ لا حدود لها على امتداد المحيطات والبحار والخلجان، عندما تقارن ذلك كله بصمت القبور الذي يلف كواكب بالبلايين في الفضاء الدامس، كواكب ليس بينها جميعا استثناء واحد سوى كوكب الأرض، وذلك بعد بحث طويل قام به الإنسان مستخدما تقنيات متطورة جدا لم تتهيأ للبشرية من قبل، انك لا بد أن تتوقف، لتتساءل عن سر تفرد كوكب الأرض بهذه الـميزة عن بقية الكون.
وهؤلاء الذين يقولون إن هذا الخلق كله قد حدث صدفة، فأي صدفة هذه التي لم تتكرر بين مرة واحدة في تلك البلايين من الكواكب التي لديها الشموس والجاذبية بدرجات يكفى بعضها كي يجمع الغازات اللازمة للحياة، والدفء الذي تنبت به الأشجار، وقد أظهرت زيارات الكواكب أن مادة أرض بعضها تقارب تربة كوكب الأرض، فلم لم تنشأ بأي منها حياة؟
ان للكبر والعقد النفسية تجاه حقيقة ان لهذا الكون خالقا، حدودا اسمها العقل الذي يأبى التمادي، فاذا هو فعل ذلك فما هو بعقل، ومن هذا الذي يجازف بمصير «الأبد» بعد تغير قانون الحياة وانتقاله من مادة الطين الى مادة اخرى قوامها نفس روحه الآن - بلغة العصر السوفت وير، وجسده هو الهاردوير - هذه الروح ستنقل كافة المعلومات، والممارسات الى القانون الجديد للحياة، وستعامل في هذا القانون بموجب تلك المعلومات، وأبرزها هو موقف صاحبها «اليوم» من تلك الحقيقة الساطعة، انها مجازفة هائلة اسمها «الأبدية» لا يمكن أن يقدم عليها عقل صحيح .