جيل يرحل، هذه السمة نعيشها كل يوم وتتفطر قلوبنا لذهاب الذين وضعوا اللبنات الاولى لبنية هذا الوطن الذي نعيش فيه، واليوم نفقد واحدا من هؤلاء العصاميين الذين عاشوا عصر ما قبل النفط بما فيه من معاناة العيش التي كابدها أهله فاجتهدوا كثيرا كي تكون الثروة الطبيعية التي حبا الله بها هذا الوطن سببا للرخاء والتلاحم والتكاتف لبناء دولة عصرية تكون نموذجا يحتذى في كل شيء.
يرحم الله العم خالد المرزوق، لقد كان فعلا عصاميا، عمل كثيرا ليكون أول من أسس كذا وأول من أنشأ كذا، سواء في قطاع المشاريع الانشائية أو المالية أو الترفيهية أو الاعلامية، وبالرغم من الصعاب المعروفة في تحقيق تلك الاحلام الا أنه نجح في احداث التغيير في أسلوب ادارة المشاريع ذات الحجم الكبير وشجع الناس على تخطي الهيبة من اقامتها، ومن بعده انطلقت المسيرة في مختلف مناطق الكويت.
وقد صاحب تلك النجاحات اهتمام كبير بالناس وكرم مع الجميع سواء كانوا من أصحاب الحاجات أو غيرهم، فما دعي الى «فزعة» الا وتصدى لها بأريحية ونشاط لا يعرف التأجيل، وهي سمة عدد من رجالات الجيل الذي ينتمي اليه خالد المرزوق، يرحمه الله، ونأمل أن تمتد الى الجيل الحالي في ممارسة العطاء لوطن أخذنا منه الكثير، وله علينا دين كبير وهو يريد منا أن نرد الدين في صورة تضحيات تتلخص في انكار الذات وتقديم العام على الخاص في قضايا هذا البلد وما أكثرها، على صغر حجمه.
لقد كان جيل خالد المرزوق جيل صدق في المعاملة، لم يكن يعرف الغدر ولا التنصل من الالتزامات حتى وان وقفت الاوراق معه، فكثيرا ما تجاوزوها الى جوهر الموضوع حتى تطلب الامر من القاضي في احدى المنازعات اقتراح تزويج ابنة هذا الخصم لابن الخصم الثاني ليحصل الابناء على المال الذي تحقق في صفقة بينهما ارتفع ثمنها، فقال الرابح: «لم أشتر حتى تكون لي، وانما يتم الشراء بدفع الثمن» وقال الآخر «ولكنني بعتك، ولا يحل لي أخذ هذا الربح»!
جيل فريد في مواجهته لفتنة «الضراء» وضيق ذات اليد، ومع الاسف فشل الجيل اللاحق له في مواجهة نعمة «السراء»، فكثرت المشاحنات كما ونوعا واحتدت الصراعات شكلا وموضوعا، ولو بحثت في جميع تلك الصراعات لوجدت أساسها الاهواء، وحب التملك لاشياء يتركها المرء بعد امتلاكها بفترة قصيرة كي يبددها من يخلفه بسرعة البرق، لتبقى الحسرات يوم لا ينفع مال ولا بنون، الا من أتى الله بقلب سليم.
أسأل الله الرحمن الرحيم لفقيدنا الرحمة والغفران، وأن يتجاوز عنه بكريم مَنّه وفضله.. وأن يلهم أسرته العزيزة الصبر والاحتساب، آمين.
[email protected]