فيصل الزامل
مثلما نعتز بقطاع الشركات الكويتية ونعتبرها رائدة في عملية الاصلاح الاقتصادي، ونثمن نجاحاتها الخارجية قبل الداخلية، فان من حقها علينا أن تسمع الملاحظات، وأن تنتقل من دنيا المطالبات الى المبـادرات، فهي، مع الأســـف، لا تعبر عن مجتمع رجال أعمال متكاتفين لتحقيق مصالحهم المشروعة، بل يغلب عليهم التنافس الضار، تجد ذلك في كثرة الصراعات، بعضهم يعتبر نجاح غيره هو اقتطاع لقمة كان هو بها أولى، حتى وان كانت في غير دائرة نشاطه الأصلي، ومن النادر أن يكف الناس ألسنتهم عن بعضهم البعض كما كان التاجر الكويتي القديم يفعل احتراما لعلاقات ووشائج هي أثمن من أي شيء آخر، بل تجد كثيرا من لقاءات العمل بينــهم تبــدأ بالكلام عن فلان ومجمــوعته، ولا يلبث هؤلاء اذا انتقلوا الى لقاءات اخرى ان يكرروا الكلام، ولكن في الاتجاه المعاكس، وهم يتناسون أن للحيطان آذانا، وأنهم في مجتمع صغير، بل صغير جدا، فالمصالح المشتركة بين من تتحدث عنه مع آخرين ستوصل اليه كلامك، وشيئا فشيئا تتفكك الاواصر، وتتحول العلاقات من البناء على «أساس الثقة»، الى الحذر والريبة.
أتذكر هنا موقفا لشخصية نسائية، في مركز وظيفي قيادي قبل سنوات، عندما تغير الوزير، واجتمع بهم الوزير الجديد، واستفتح لقاءه مع قياديي الوزارة باسترجاع سيرة الوزير السابق، وأخذ يشجعهم على ذكر مثالبه، ويتساءل «كيف كان يتصرف فلان في الموقف الفلاني، والموقف الفلاني؟» أجابته تلك المسؤولة الفاضلة قائلة «يا أستاذ، احنا ما تعودنا نتكلم بحق زملائنا اذا تركوا العمل الا بالخير» فانقطعت تلك السيرة الممجوجة، أخبرني أحد الحاضرين عما سمعه وهو يقول «والله كانت أرجل واحد فينـــا»!.
في قطاع الشركات الكويتية تجد من البعض، وليس الكل بالطبع، ميلا مريضا للطعن في شخص قيادي انتقل من شركته للعمل في موقع آخر، متجاهلا قاعدة «امساك بمعروف، أو تسريح باحسان» علما بأن فرص التعاون بين شركته والشركة الجديدة التي انتقل اليها هذا الموظف ستزداد بوجود شخص يحفظ لهم الود لما وفروا له من فرص التقدم، وبالعكس اذا سمع منهم ما يسيء اليه بغير وجه حق.
هناك مشاريع كثيرة يفوق حجمها قدرة شركة واحدة، ما يجعل بناء تجمع يضم مختلف القدرات والتخصصات أمرا لا غنى عنه للفوز بالمشروع، وهو ما لا يتحقق في أجواء الخصومة والعداء الآخذة في الانتشار بين الناس في هذه الشركات، فما ان يذكر مشروع ثم تبدأ الدعوة لتكوين تجمع الا وتسمع «فلان ما ينسجم مع فلان» وتتكرر مثل هذه العبارة كثيرا، حتى لا تكاد تجد اثنين متوافقين لتحقيق التركيبة اللازمة، فيفشل مجهود بناء تحالف ناجح لسبب جانبي شخصي، لا يتعلق بالامور الاقتصادية ولا الفنية.
واذا تفحصت ذرائع هذا وذاك، ففي الغالب ستجد مآخذ فلان، هي نفس مآخذ الآخرين عليه، وربما بقسوة أكبر، فهو لم يحترم التزامه في الموضوع الفلاني، وأخذ المعلومات ومشى في طريق مستقل، مستفيدا من المعلومات، بل اتصل بنفس المصدر الاجنبي الذي رد عليه قائلا «اتصالك معنا سيكون عبر فلان، وقد أرسل الينا تنبيها بهذا المعنى»!
ان كبار القياديين في الشركات يتحملون مسؤولية كبيرة في اعادة الاعتبار للقيم التجارية الكويتية القديمة، على أساس أن اللقمة المقسومة لك لن تذهب الى غيرك، فلماذا هذا اللهاث الكريه؟ يجب أن يصدر التنبيه من القيادي حينما يشعر من مرؤسيه - أو من داخل نفسه - نداء للقفز على الآخرين بسبب فرصة اتيحت لغيره ويمكنه بطريقة ما اختطافها من يده، فاذا به بدلا من أن يسمح لهم باختطافها، يعطيهم درسا في الامانة «اتصلوا بفلان وخبروه بما سمعتم، هو أولى بهذه الفرصة، ولا تخافوا على أرزاقكم، خلوا خطواتنا طيبة ذات رائحة عطرة زكية، فقد أفلح من زكاها»! هذا الدرس يتناقله موظفوه، ويتسامع به أهل السوق، فترتفع قيمته ويزداد احترام الآخرين له، وتتفتح له أبواب لم تكن مفتوحة من قبل، ببركة العفة والامانة.
ان هذه المعاناة مع مسألة العفة أصابت كثيرا من الشركات، سواء كانت تعمل وفق الشريعة، ام لا، وهو شيء مؤسف، ولكن كثرة سماع الناس لتلك الحوادث ورؤيتهم لها في العديد من المناسبات جعل التنبيه مستحقا من باب النصيحة، استجابة لمن حثنا على النصح، فهل بلغنا؟ اللهم وفق الجميع لما فيه الخير.