فيصل الزامل
لماذا توقفت مسيرة الإعمار في الكويت لثلاثين عاما أو أكثر؟ لابد من المدخل السياسي للاجابة على هذا السؤال، بلا مواربة ولا مجاملة سواء للحكم أو لمعارضيه، ففي منظومة الحكم افتقدت الكويت الصف القيادي الابداعي في ادارة شؤون الدولة سواء من جانب الأسرة الحاكمة، أو من الجانب الشعبي، وسنتناول الاسباب في الحالتين.
أولا: في جانب الاسرة الحاكمة، فإن الذين يتحدثون عن كراهية بعض افرادها للحكم الدستوري الذي سمح به الشيخ عبدالله السالم، ينسون أن المناكفة والعمل على اسقاط هيبة الحكم كانا منهجا وبرنامج عمل لرمز سياسي هو د.أحمد الخطيب، وقد صرح بذلك في مذكراته، ولم يفهم أحد كيف يكون هذا منهجه وهو نائب رئيس المجلس التأسيسي ثم يريد أن يرأس الجلسات عندما يغيب الرئيس، فإذا لم يتم عقدها بسبب طريقته سجل ذلك على أن المقصود به هو شخصه الطبيعي لا أسلوبه!
إن أي مسؤول في الدولة يتعرض لتسفيه نشاطاته وأعماله لا يمكن أن يتضاعف حماسه، وبالعكس إذا سمع مدير ادارة - مثلا - اشادة بخطوة جميلة وقرار صائب صدر عنه، فإن الخطوات الجميلة تتزايد، ويرتفع معدل الصواب في قراراته، والذي يقارن ما يحدث عندنا بما يحدث في دول خليجية يتجاهل أنه كانت هناك قرارات كثيرة خاطئة هناك، إلا أن الصواب في نهاية الأمر تفوق وتجاوز الخطأ بسبب الدعم والتشجيع، فهل هذا هو ما يحدث عندنا؟ أم أننا نتجاهل الانجازات، ونعلق عليها «مو من طيب ربعنا» ثم نسلط الضوء بعنف وشدة على الاخطاء، وربما فرح بها بعضنا أكثر من فرحه بالانجاز؟
ان هذه الانجازات هي لمواطنين يديرون مرافق الدولة في مختلف مواقع المسؤولية، مثل ناظرات مدارس رممنها «بعد التحرير» قبل أن يرممن بيوتهن، فنالهن لوم وذم شديدان وبلا مبرر سوى السياسة وخلاف قديم لمجموعة مع الوزير حتى بكت ناظرة كويتية في أحد الاجتماعات وهي تشرح هذه المسألة، ومعاناتها وزميلاتها من التسفيه الظالم، لماذا؟ هذا انجاز دولة، لماذا يتم تسفيهه؟ الشيء نفسه يحدث مع عشرات العاملين والعاملات في مختلف مواقع المسؤولية، وهم الذين يحققون بمجموعهم «انجازات الدولة».
لقد طال هذا الاسلوب الصف القيادي الاول في هذه الدولة لأكثر من ثلاثة عقود، كنا «قبلها» نرى لهم انجازات رائعة، وهم أنفسهم الذين شكونا من توقف عطائهم، دون أن نتساءل أو أن نبحث في تأثير اسلوب الذم المتلاحق بمناسبة وبغير مناسبة وأثره عليهم، والذي يستكثر علينا هذا الفهم، علينا ان نختبره بانتقاد خفيف لمقالة كتبها، أو رأي طرحه، كي تجد منه حربا شعواء تمتد الى سنوات، وامتناعا عن السلام.. إلخ، ان البشر كلهم يتأثرون، فلسنا نتكلم عن ملائكة، ألم يقل ربنا عز وجل لموسى وأخيه هارون عليهما السلام (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى)، بل ان نفس القادح الذي يسفه، اذا ما دعته الظروف لمقابلة فإنك تسمع منه عجبا من طيب الكلام، وهو شيء حسن اذا ما قرن بالصالح «العام» وتحرى أفضل السبل والكلام لتحقيقه، وليس الصالح «الخاص» فقط!
ثانيا: في الجانب الشعبي من منظومة الحكم، تزخر الكويت بأفضل الطاقات الإدارية في المنطقة، لكنها كما رأينا مستهدفة، ليس بالنقد فقط، ولكن بالحط من الكرامة الشخصية، ففي استجواب وزير النفط كان بعض المستجوبين يمارسون حقهم في استجواب الوزير، وكان غيرهم يسعى حثيثا الى تحقيره ظلما وعدوانا، وكل من يعرف «الجراح» كان يتألم لهذا القدر من الظلم الذي فاق أشكالا كثيرة من الضرب في الكفاءات المهنية من الجانب الشعبي في الوزارة، والأسماء معروفة.
ان الحديث عن توقف مسيرة البناء والتنمية بغير العمل على تغيير هذا النهج التدميري هو مضيعة للوقت، واذا كان عسيرا على من أسس لهذا النهج ان يعترف بخطئه فإن في الكويت أهل رأي مستنير لن يصمتوا، ونحن نعيش مرحلة تسليم وتسلّم بين جيلين، ومن الواجب أن نسلط الضوء على الخطأ، وأن نشير على الجيل الجديد بجادة الصواب التي دفعنا بسبب تضييعها ثمنا كبيرا، ولا داعي لأن يذهب هذا الثمن وتلك المعاناة سدى.